العدد 5447
الأربعاء 13 سبتمبر 2023
banner
إبداع لا اتباع... عام دراسي جديد
الأربعاء 13 سبتمبر 2023

على عتبات عام دراسي جديد، يتذكر المرء ما جرت به المقادير عام 1800 ميلادية، وذلك حين زار المفكر الألماني الكبير "فيخته" إحدى المدارس وكانت البلاد وقتها تعاني من تفكك وتدهور، فكتب يقول: "إن الطريق الوحيد إلى إصلاح المجتمع، هو تأسيس نظام جديد لتعليم الناس"، ويضيف.. "ليس هناك عندي أدنى شك من أن الأمة التي سترتفع إلى أسمى درجات القوة من خلال المدارس والجامعات، هي أمة لا يمكن اختراقها أو إسقاطها في المستقبل".

لا تزال رؤية "فيخته" قائمة وقادمة، غير أنه يعن لنا في ذات الوقت أن نتساءل عن أي تعليم ومدارس وجامعات نتكلم، وهل نحن بصدد ذلك النوع التلقيني الاتباعي من التعليم، أم المعرفي الإبداعي؟ ربما ينبغي علينا أن نشير أول الأمر إلى أن التعليم المعرفي الإبداعي والخلاق، لا يعني فقط تطور رأس المال المادي، واقتصاد السلع والمنتجات فحسب، وقد كانت النظرة التقليدية دائما وأبدا ترى أن مراكمة رأس المال الأمر الأكثر أهمية في مسيرة بناء الأمم والحضارات، وأنه عبر القوة الاقتصادية يمكن فقط التقدم إلى الأمام، سواء على صعيد الداخل الوطني، أو فيما يتعلق بفرط الامتداد الامبراطوري، كما الحال بالنسبة للأقطاب الدولية تاريخيا. أضحى التعليم الإبداعي المعرفي مهموما ومحموما برأس المال البشري، والذكاء والإبداع والابتكار، والتكنولوجيا، وطرق إدارة المعرفة وغيرها. كما أن عملية التعليم الإبداعي تهتم بقضية استخدام المعرفة لتوليد القيم الملموسة وغير الملموسة، كما باتت موصولة الشأن باستخدام التكنولوجيا وبالأخص تكنولوجيا المعرفة، لتحويل جزء من المعرفة البشرية إلى آلات، وهذه المعرفة تستخدم من قبل نظم دعم القرار في مختلف المجالات.

ولعل الحديث عن التعليم الإبداعي يضع في طريقنا إشكالية مثيرة للخوف، تلك التي يطلق عليها علماء التربية "الهوة المعرفية"، والتي يتوجب علينا في عالمنا العربي أن نتنبه لها بشكل كبير، لا سيما بعد إدراك العالم أن مصير التقدم أو التخلف بات مرهونا بالخلفية العلمية والتعليمية التي تتلقاها أجيال دولة بعينها أو تحرم منها أيضا، فلا إبداع بدون معرفة، ولا تنمية بدون معرفة، ولا اقتصاد خلاق بدون تعليم.

والشاهد أن أحد أروع الأمثلة التي تبين لنا المقدرة الفائقة لمسألة التعليم المعرفي الإبداعي الابتكاري على تحويل الأمم والشعوب من حال إلى حال، قد ضربه لنا الزعيم السنغافوري "لي كوان يو"، الرجل الذي استلم تلك الدولة عبارة عن مستنقعات مائية، ممتلئة عن آخرها بالبعوض والحشرات الضارة، ناهيك عن سبيكة مجتمعية متناحرة من أعراق وأقوام مختلفة ومتناحرة، غير أن الرجل استطاع عبر بوتقة تعليمية تقدمية، صهر كل ما تقدم، وبناء رؤية موحدة لدولة عصرانية، قدر لها أن تنطلق في الآفاق، ومن هنا يتبين لنا أن القضية تحتاج أول الأمر وآخره إلى إرادة تحريرية من التقليد والتراث المنحول، وليس الجيد، فهناك من الإرث ما يلائم دولة بعينها، ولا يلائم الأخرى.

"هل اقتصاد العالم الحديث بات مرهونا بالمعرفة والتعليم أكثر من كونه معتمدا على الموارد الاقتصادية برا وبحرا وجوا؟".

أغلب الظن أن ذلك كذلك قولا وفعلا، فهناك علاقة ما مؤكدة بين الانفجار المعرفي والمعلوماتي الذي غير ملامح الحياة وبدل وعدل من سمات البشر وطرائق معاملاتهم في العقود الأخيرة، وبين عالم الاقتصاد والمال والتجارة والأرباح.

هل يفهم المرء لماذا الآن تدور حروب التجسس الاقتصادية بين الدول على المعلومات والبيانات، الركيزتين اللتين تشكلان القاعدة الرئيسية للمعرفة؟ إنه عالم متشابك بين التعليم والمعرفة، بين الاقتصاد والعلم، بين العسكرة والسياسة. الخلاصة التعليم هو القضية وهو الحل.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية