العدد 5440
الأربعاء 06 سبتمبر 2023
banner
الصين قوة كونية غير مكتملة
الأربعاء 06 سبتمبر 2023

تستدعي تطورات المشهد الاقتصادي الصيني المتراجع في الآونة الأخيرة، وبعد نحو ثلاثة أعوام من أزمة تفشي فيروس كوفيد-19، والذي وصفه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، العديد من التساؤلات حول مستقبلها وكينونتها، ومسارات الأحداث الخاصة بها، ومآلات المستقبل من حولها، ولعله في مقدمة تلك التساؤلات: "هل من فارق بين أن تكون دولة ما فاعلة في مسار التاريخ، وأن تكون دولة أخرى قوة كونية في مساق الأحداث العالمية؟"

أغلب الظن أن ذلك كذلك فعلا، فالطرح الأول يعني أنك قادر على المشاركة في مسيرة العالم وتطورات أحداثه، توجهات دوله، العلاقات الأممية المتشابكة، غير أن الثاني يرسم وبجدارة مسارات الأحداث، ويشكل حياة البشر عبر دروب الزمن. قصة الصين القوة الكونية غير المكتملة شغلت العديد من الباحثين والمفكرين الأميركيين لتبيان وضع الصين الحقيقي، وما آلت إليه، حتى قبل ظهور فيروس كورونا فماذا كانت النتيجة؟ أحد أفضل من شخص وضع الصين، كان البروفيسور الأميركي "ديفيد شامباو" أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والمدير المؤسس لبرنامج السياسات الحكومية الصينية بجامعة جورج واشنطن، والخبير في شؤون الصين منذ عام 1979 عبر الزيارات والإقامة هناك. يقطع شامباو في مؤلفه هذا بأن الصين لا تزال بعيدة عن مدارات القطبية الدولية، وأنها رغم تقدمها الاقتصادي الظاهر للعيان إلا أنها تظل قوة متوسطة بنوع أو بآخر، وأنها تحتاج إلى متغيرات جذرية وهيكلية كي تصبح قوة عالمية.

سطور كتاب البروفيسور "شامباو" تطرح مقاربة جذرية بين واشنطن وبكين، وتبين كيف أن الفارق شاسع بين الأولى التي تتسم بملامح ومعالم قيادة كونية، والأخرى التي تتراجع عن خوض غمار الملفات المعقدة على الصعيد الدولي، وكأن ما يعنيها هو فقط شأنها الداخلي، فهي عادة تنتظر مواقف الدول الأخرى، قبل أن تبادر بإعلان موقفها من أية قضية مطروحة على مائدة النقاش الأممي. على سبيل المثال، هناك فارق كبير بين مفهوم القوة الناعمة الأميركي "والذي استطاعت من خلاله واشنطن أن تحقق نجاحات في العالم، كما فعل على سبيل المثال الرئيس آيزنهاور عام 1956 في أزمة العدوان الثلاثي على مصر، وبين الصين المهمومة بل المحمومة بالنمو الاقتصادي الداخلي، ما يجعل منها مثالا لما أُطلق عليه "دولة المقاعد الخلفية".

لا يتوقف الأمر عند حدود القوة الناعمة، بل يمتد "الجزء الناقص" أو "غير المكتمل" في النموذج الصيني، إلى قوتها الخشنة"، أي قواتها المسلحة، فعلى الرغم من أن إنفاق بكين على التسلح يأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه ما من دور ملموس أو محسوس لبكين على صعيد القضايا الأمنية العالمية، كمحاربة الإرهاب، ولا تتحرك الصين إلا حين تتهدد مصالحها، كما حدث مع قراصنة البحر الأحمر.

هل من شبه ما بين الصين اليوم، والولايات المتحدة عند نقطة تاريخية معينة؟

يمكن بالفعل أن يكون ذلك كذلك، فالصين اليوم تشابه الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين، عندما كانت قوة اقتصادية هائلة، لكنها اتسمت بأنها قوة ناعمة هشة، وقوة دبلوماسية مترددة بين الداخل والخارج، إلى أن حسمت أمرها بالدخول في الحرب العالمية الثانية، والقضاء على النازية، وساعتها استُعلنت "قوة كونية" حقيقية وليدة، استطاعت إزاحة بريطانيا العظمى، وشاركت الاتحاد السوفييتي في قيادة العالم.

يمكن القطع بأن الصين ليست اليوتوبيا التي يتصورها البعض رفضا أو كراهية للولايات المتحدة الأميركية تارة، أو بحثا عن بديل قطبي معولم تارة أخرى.

وبالقدر نفسه ليست هي الـ "ديستوبيا"، أي عالم الفوضى والشر والغموض المعاصر، أو الواقع المرير القائم والقادم، إنما هي تجربة إنسانية ضمن سياق الكر والفر الجيوسياسي حول العالم في القرن الحادي والعشرين، ولهذا يصدق القول بأنها قوة كونية غير مكتملة.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .