العدد 5454
الأربعاء 20 سبتمبر 2023
banner
فلسفة “المونديال” السعودية!
الأربعاء 20 سبتمبر 2023

يقول الفيلسوف اليوناني هرقليطس إن “الحقيقة الوحيدة الثابتة هي التغيير”، وهذه النظرية الأكثر شهرة في مقولاته، فهي واقعية وملموسة، لكن “الفيلسوف الباكي” يذهب أبعد من ذلك في ملحمته القائمة على التغيير، فيقول “لا يخطو رجل في نفس النهر مرتين أبدًا”، ضاربا عرض الحائط مقولة زميله في تأسيس “علم الوجود”، بارمينيدس الذي قال “يبقى المرء على ما يكون عليه”!
نحن الآن أمام مشهد يحاكي النقاشات الأولى لمفهوم “الصيرورة الفلسفي”، الذي أختصره في “دوري روشن السعودي” بوصفه ظاهرة كروية لافتة للأنظار، وما كريستيانو ونيمار وبنزيما وسادو ماني وغيرهم الكثير ممن تألق وأبدع كرويا، إلا بداية لانطلاقة ملحمة سعودية تزن الأمور بميزان واقعي، وتطبق عرفا أسسه أصحاب “العيون الزرقاء”، منذ سنوات طويلة.
لقد حول الأوروبيون كرة القدم إلى لعبة قائمة على المال، فرضوا ضرائب على المتابعين، جمعوا أموالًا طائلة من حقوق البث التلفزيوني، وارتفعت أجور اللاعبين وأصبح الدولار هو اللغة الرسمية في جمهورية “الساحرة المستديرة” التي ولدت من رحم الأحياء الفقيرة، لأنها في الأساس مجرد “قطعة منفوخة بالهواء” وشغف لا ينتهي، ولكنها تغيّرت وأصبحت سيدة المال والأعمال!
والحاصل الآن هو أن الأشقاء في المملكة العربية السعودية يتعاملون مع “دوري روشن” على هذا الأساس فهو مشروع يسير بالتوازي مع العديد من المشروعات الاستثمارية في قطاعات متعددة ضمن “رؤية 2030”، وبالتالي، فإن الاستثمار في الرياضة وكرة القدم أصبح له مسارات مالية ضخمة بإمكانها أن تجعل من السعودية قبلة رياضية جاذبة لأبرز النجوم وأهم الأحداث العالمية مستفيدة من وجود بنية تحتية تستوعب أكبر الأحداث وأكثرها جماهيرية على الإطلاق.
ويحدث ذلك بالفعل، فقد نجحت المملكة العربية السعودية بامتياز في استقطاب واستضافة منافسات رياضية كبرى، ومنها بطولة العالم للفورمولا 1، ورالي داكار، وبطولات العالم في الملاكمة والمصارعة وكرة اليد والرياضات الإلكترونية وغيرها الكثير، كما أن شهية استضافة مزيد من الأحداث مفتوحة لدى الأشقاء، ولعلّ أبرز ما يتردّد الآن هو استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم.
وتحدثت تقارير إعلامية عن رغبة السعودية في استضافة نسخة العام 2034 من المونديال ولا يوجد شيء رسمي حتى الآن، ولكن لا “يوجد دخان من غير نار”، ويبدو أن “حماس المونديال” اشتعل منذ فترة في المملكة العربية السعودية وتحديدًا بعد النجاح الباهر لمونديال قطر 2022، وتردّد عن وجود فكرة سعودية لتقديم ملف مشترك مع مصر واليونان لاستضافة مونديال 2030، بما يتوافق مع الاشتراطات التي فرضها الاتحاد الدولي لاستضافة كأس العالم بعد قراره التاريخي بزيادة عدد المنتخبات المشاركة إلى 48 منتخبًا ابتداء من مونديال أميركا وكندا والمكسيك العام 2026.
لكنني أرى أن السعودية لم تعد في عجلة من أمرها لاستضافة المونديال لا في العام 2030 ولا 2034، فهي تحصل الآن على زخم مشابه لزخم المونديال وبشكل مستمر ومتزايد، وذلك منذ إطلاقها لنسخة استثنائية من “دوري روشن” مدعمًا بنجوم الكرة العالمية وأفضل المدربين وتعزيز عوامل الجذب الجماهيري والتنافس المشتعل بين الأندية إلى جانب وجود أكثر من 37 قناة تلفزيونية تنقل المسابقة إلى غالبية دول العالم.
كل ذلك مكسب ملموس وتطبيق عملي لنظرية الفيلسوف اليوناني هرقليطس، الذي يرى أن التغيير هو سمة الوجود، تغيير المفاهيم البالية والقواعد الرخوة والصورة النمطية، التي تصنع صنمًا اسمه المستحيل، فهل هناك مستحيل في أن ينافس “دوري روشن السعودي” الدوري الفرنسي على أقل تقدير؟!

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .