العدد 5416
الأحد 13 أغسطس 2023
banner
الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا كسلاح
الأحد 13 أغسطس 2023


لطالما حدث الترابط بين التكنولوجيا والحروب، حيث تسعى الجيوش لاستخدام التكنولوجيا لأجل اكتساب ميزة على أعدائها من خلال أنظمة الاستطلاع والقتال الجديدة والمتقدمة، والتي توفرها التكنولوجيا، خاصة عندما تزداد التهديدات والتحديات من الجهات المعادية وتتطلب استجابات فعالة. علاوة على ذلك، فإن تطوير تقنيات وابتكارات جديدة يتطلب توفر الأموال والمواهب؛ وحكومات مثل الولايات المتحدة تملك الكثير من ذلك. على سبيل المثال، فإن الإنترنت، الذي يعتبر تقنية لا غنى عنها اليوم، نشأ في مختبرات الأبحاث العسكرية التابعة لـ DARPA في الولايات المتحدة. كما أن استخدام التكنولوجيا كسلاح ليس ظاهرة جديدة، بل اتجاه تاريخي من المرجح أن يستمر.
ومع ذلك، فإن التحول الجديد يتعلق باتجاه وبمصدر الابتكار التكنولوجي. في الماضي، تم تطوير العديد من التقنيات في البيئات العسكرية ثم نشرها في القطاع المدني. ولكن اليوم، يتم إنتاج العديد من التقنيات من قبل الشركات التي تتمتع بقدرات تقنية كبيرة، ثم يتم تطبيقها على البيئات العسكرية لتعزيز الجيل القادم من القدرات الدفاعية والهجومية. 
في الواقع، اعتمدت وزارة الدفاع الأميركية ووكالة المخابرات المركزية استراتيجيات مختلفة للتعامل مع صناعة التكنولوجيا منذ البداية لتمويل الشركات المبتكرة واحتكار ابتكاراتها. وضاعفت الكيانات العسكرية جهودها لتأسيس شراكات مع شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون، لتطوير ونشر تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والطائرات بدون طيار، وتقنيات التعرف على الوجه، ونظام الأسلحة المستقل للأغراض العسكرية والاستخباراتية.
وثمة استراتيجية أخرى تتمثل في تقديم صفقات أو منح مربحة لبعض أكبر شركات التكنولوجيا لمشاريع أو خدمات محددة. على سبيل المثال، في عام 2017، وافقت جوجل على المشاركة في Project Maven، وهي مبادرة تابعة لوزارة الدفاع تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل لقطات الطائرات بدون طيار وتحديد الأهداف المحتملة. وفي عام 2018، فازت مايكروسوفت بعقد بقيمة 480 مليون دولار لتوفير سماعة الواقع المعزز HoloLens للجيش الأميركي لأغراض التدريب والقتال. وفي عام 2019، حصلت أمازون على عقد بقيمة 10 مليار دولار لتوفير خدمات الحوسبة السحابية لوزارة الدفاع الأميركية في إطار برنامج البنية التحتية المشتركة للدفاع عن المؤسسات (JEDI). والولايات المتحدة ليست وحدها في هذا المجال، بل تقوم الحكومات في كل مكان بالشيء نفسه.
مع ذلك، لا يشعر جميع العاملين في مجال التكنولوجيا بالارتياح أو بدعم مشاركة شركاتهم في الحروب وتقنيات المراقبة. وقد أعرب بعضهم عن مخاوفهم الأخلاقية ومعارضتهم بوسائل مختلفة، مثل تنظيم الاحتجاجات، وتوقيع العرائض، وكتابة الرسائل المفتوحة، أو حتى ترك وظائفهم. على سبيل المثال، في عام 2018، وقع الآلاف من موظفي جوجل على عريضة تطالب الشركة بإلغاء عقدها مع Project Maven واعتماد سياسة واضحة بأنها لن تشارك في تطوير تكنولوجيا الحروب. نتيجة لهذا الضغط، أعلنت جوجل أنها لن تجدد عقدها مع Project Maven بعد انتهائه في 2019. وبالمثل، وفي 2019، وقع المئات من موظفي مايكروسوفت خطابًا مفتوحًا يدعو الشركة إلى إلغاء عقدها مع HoloLens والتوقف عن تطوير تقنيات الأسلحة.
في الواقع من غير المرجح أن يتغير التعاون بين Big Tech و Big Defense رغم أن ذلك يشكل مخاطر جسيمة على السلام العالمي وحقوق الإنسان والديمقراطية. وذلك الوضع يسمح للحكومات بمواصلة الحروب التي لا نهاية لها في الخارج وفرض القوة العسكرية في الداخل مع شبه انعدام الرقابة أو المساءلة. كما أن ذلك ينتهك الخصوصية والحريات المدنية لملايين الأشخاص حول العالم من أولئك الذين يتعرضون للمراقبة الجماعية والقتل المستهدف بواسطة الطائرات بدون طيار أو غيرها من الأسلحة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. لذلك، من الضروري نشر المزيد من الوعي العام والعمل للمطالبة بمزيد من الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للتكنولوجيا من أجل الصالح الاجتماعي.
لقد تسببنا بالفعل بإلحاق ما يكفي من الضرر لعالمنا باستخدام التكنولوجيا نظرًا لانتشار إساءة استخدام التكنولوجيا وهيمنتنا على هذه الأرض. لماذا إذن لا تكون الديمقراطية التكنولوجية الآن أداة للسلام والوئام للمساعدة في بناء بيئة عالمية أفضل تعزز الحوار والتعاون لخلق عالم أفضل لنا جميعًا؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية