العدد 5387
السبت 15 يوليو 2023
banner
نكبة جنين
السبت 15 يوليو 2023

ضمن ردود الفعل الدولية المنددة بالاجتياح الإسرائيلي لجنين وما خلّفه من أضرار فادحة في الأرواح، فضلاً عن الجرحى والعمران، ثمة موقفان دوليان لا يخلوان من أهمية: الأول يتمثل في الزيارة التي قام بها وفد من الاتحاد الأُوروبي لمخيم جنين لتفقد حجم الكارثة المهولة، وإذ وصف ممثل الاتحاد الأُوروبي ما شاهدوه بالمروع والصادم، دعا إلى "زيادة الضغط على إسرائيل لوقف ما تمارسه من عنف"، والثاني يتمثل في التصريح الذي أعرب فيه أنطونيو غوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة، عن غضبه الشديد لما حدث في مخيم اللاجئين بجنين، مندداً بالهجوم الإسرائيلي عليه، ومُذكّراً العالم بمظاهر وحشيته: "خلّف أكثر من مئة جريح مدني، وأجبر الآلاف على الفرار وألحق أضراراً بالمستشفيات وعطل شبكات المياه والكهرباء"، كما انتقد إسرائيل لمنعها الجرحى من الحصول على الرعاية الطبية والعاملين في المجال الإنساني من الوصول إلى كل محتاج"، مضيفاً أن إسرائيل "بصفتها القوة المحتلة، عليها مسؤولية ضمان حماية السكان المدنيين من جميع أعمال العنف".
لكن رد الفعل الإسرائيلي تجاه تصريح الأمين العام للمنظمة الأُممية التي تتمتع إسرائيل بالعضوية فيها، اتسم بالطابع الاستفزازي في التعالي وعدم اللباقة البروتوكولية المفترضة تجاه هذه الشخصية الدولية الكبيرة، ما أثار صاعقة من الذهول والاستغراب لدى أوساط واسعة في المجتمع الدولي والرأي العام العالمي؛ ذلك أن سفير إسرائيل في الأمم المتحدة لم يفند تصريح غوتيرش أو يدينه، بل طالبه بالتراجع عما ورد فيه من إدانة لإسرائيل، وهذا يعني أن يتخلى غوتيرش عن مسؤولياته الدولية، أو يمارس دور المحامي عن إسرائيل، أو الصامت إزاء كل انتهاكاتها الصارخة اللاإنسانية المنافية للقانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، ولعل هذا الطلب يُعد سابقة نادرة في تجاوز الأعراف واللوائح الداخلية التي لا يحق للأعضاء تجاوزها تجاه مسؤوليات الأمين العام، علماً أن هذا الأخير لم يخلُ تصريحه من الغمز بإدانة الجانب الفلسطيني دون أن يسميه بالاسم. والسؤال المحيّر: إلى متى ستستمر إسرائيل في تجاهل القرارات الدولية والقانون الدولي؟ وكم يبلغ عدد مجلدات نصوص قرارات المنظمة الدولية التي تدين إسرائيل طوال ثلاثة أرباع القرن منذ نكبة 1948، والتي ظلت تتجاهلها بدءاً من قرار التقسيم 1947؟. 
والسؤال الذي يرتبط أيضاً بالأسئلة السابقة: إذا كانت نتائج حرب 1948 بين الجيوش العربية وإسرائيل قد شكلت النكبة الكبرى فيما عانى منه الشعب الفلسطيني من خسائر هائلة في أعداد الأرواح والقتلى والجرحى والممتلكات، والأخطر تشريد مئات الألوف من أبنائه، وقضم مساحة كبيرة من وطنه التاريخي، ثم جاءت النكبة الثانية في عام 1967 التي اُصطلح على تسميتها "النكسة" وهي لا تقل خطورةً عن النكبة في نتائجها والتي نجم عنها استكمال احتلال كامل الوطن الفلسطيني بحدوده التاريخية المتعارف عليها دولياً، فكم نكبة مصغرة لنكبتي 1948 و1967 مر بها هذا الشعب وتجرع أهوالها من مذابح واجتياحات تعرضت لها مدنه وقراه خلال سلسلة طويلة من الاعتداءات الوحشية المدمرة والمتواصلة عليها منذ النكبة الكبرى، وعلى وجه الخصوص في أعقاب النكسة وصولاً لنكبة مخيم جنين الأخيرة؟
وإذا كان الأمين العام للمنظمة الدولية قد أدان بوضوح، وبشكل حازم، العدوان الوحشي الأخير على مخيم جنين وما سببه من مآس وفظائع لسكانه المدنيين المسالمين، وإذا كان أيضاً ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين قد دعا بدوره المجتمع الدولي إلى زيادة ضغوطه على إسرائيل من أجل وقف العنف، وهو لم يدعُ لزيادة هذه الضغوط عليها إلا ليقينه التام بأنها تعودت على ألا تمتثل للقرارات والمناشدات الدولية، فهذا يعني أن الجامعة العربية والموقف الرسمي العربي تفرض عليهما التزاماتهما القومية أن يتدارسا سُبل ووسائل الضغوط الفعالة على إسرائيل، بحيث ترتقي إلى سقف أعلى مما دعا إليه ممثل الاتحاد الأُوروبي المجتمع الدولي، ومن ثم عدم الاقتصار على بيانات الشجب والاستنكار التي تعودت عليها إسرائيل ردحا طويلا من الزمن دون أدنى تأثير يُذكر في تغيير سياساتها.


كاتب بحريني
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية