العدد 5380
السبت 08 يوليو 2023
banner
المثقف العربي... الدور والتحدي
السبت 08 يوليو 2023

دائما وأبدا تنظر المجتمعات وتأمل الشعوب من المثقف الكثير، في التاريخ هو الذي يصنع عقل الأمة، هو الذي يشكل وجدانها، وهو الذي ينير ظلماتها. دائما وأبدا يتوقع الناس - كل الناس من المثقف فكرة جديدة، رأيا حصيفا، وجهة نظر تقود المجتمع من الظلمات إلى النور، وتخرج به من المنعطف الخطير إلى المرتقب المستنير، دائما وأبدا ما يكون المثقف عند حسن ظن بلاده به، يتوج بالنياشين على إبداعاته، وبالأوسمة على إنجازاته، وبالألقاب على مؤلفاته، هو دائما محط أنظار دنيانا، يبحث عن مشكلاتها ويضع الحلول لها، تتم الاستعانة به ولا يخذل شعبه أبدا، تلجأ الحكومات له ولا يعيدها إلا إذا كانت مجبورة الخاطر وهو عند حسن ظنها.

هكذا هو دور المثقف، أو هكذا من المفروض أن يكون ذلك هو دوره، في التاريخ كان المثقف العربي هو الذي يمتلك الاستطاعة برفع الكتلة المجتمعية الحرجة وانتشالها من مستنقع الأزمات والصعود بها إلى عنان الفرص والإنجازات، وقديما كان المثقف العربي لاعبا ماهرا على بساط التنوير السحري، يقود التعليم والبحث العلمي والإنتاج الأدبي، ويشارك في صناعة السينما والفن بمختلف ألوانه، وكان المسؤول عن بناء الحضارة وعن عصور النهضة، فكانت الغلبة في التقدير الرسمي والشعبي له، والجماهيرية في العشق والتتبع والإشادة والفخار بل والوضع الاجتماعي له، لا لغيره.

لذلك نهضت الدول واستلهمت نهضتها من هذا المثقف، فأقامت له التماثيل، وأطلقت اسمه على الشوارع والمتاحف والميادين، وأصبحت سيرته العطرة تملأ كل مكان وتذهب إلى نهاية العالم بكل فخر. أنا اليوم بالتحديد بعد أن أصبح للمعرفة أكثر من أب شرعي، وأصبح للمثقف أكثر من موقف استنادا إلى المتغيرات المتسارعة والتحولات التكنولوجية الهائلة، أصبح دور المثقف التقليدي أو "المانيوال" أكثر تعقيدا، وأقل تأثيرا، وأخف وزنا، فمصادر المعلومات لم تعد مقتصرة عليه، ورسائله المقدسة لم تعد مقدسة، ودوره الوطني أصبح على المحك ويحتاج لإعادة تدوير، لا وإعادة تثوير لما كان عليه قبل ذلك وما يجب أن يكون عليه حاليا.

المثقف العربي أصبح والله المستعان في وضع لا يحسد عليه، وأصبحت أدواته أكثر احتياجا للتجديد والإحلال والاستبدال، وأصبحت قيمته ومثله العليا على وشك أزمة لم يسبق لها مثيل، هل مثقفونا يحتاجون لأكثر من مجرد لحية وحقيبة على الظهر وشعر غزير على الرأس وجلسة ليلية في آخر المطاف على مقهى وثير وثير، بوسط البلد؟! هل أصبح المثقف معرضا للابتزاز من واقع لا يقدر، وأجهزة لا تثمن، وناس لا يكترثون؟ أم أن المعضلة أنكى وأمر وأكبر من قدرة مثقف على الاستيعاب لواقع جديد تلعب فيه الآلة دور المحسن البديعي، ويلعب فيه الذكاء الاصطناعي دور سكرتير التحرير؟ هل نحن أمام مثقف روبوت، وشاعر افتراضي، وصحافي أو مفكر هولوجرامي سابق للتجهيز؟ أم أننا أمام مفترق طرق لحال الثقافة والمثقفين ولأحوال الهيبة التي كانوا عليها والاضمحلال الذي أصبحوا عليه؟

في جميع الأحوال لا يمكن الاستغناء عن الإنسان في التفكير والتهيئة والتأثير في المجتمع، ولا يمكن الاستغناء عن التكنولوجيا الفارقة في تسريع وتيرة الإبداع ومساعدة المثقف على إنجاز أعماله بسرعة وجودة تحاكي حاجات المجتمع وتلبي متطلباته، في البداية والنهاية نحن بحاجة إلى مثقف يستوعب هذه المتغيرات ويعيد تشكيل هيئته ليس على الطريقة المخلة الحالية، إنما بصياغة شخصية قادرة على دمج الماضي مع المستقبل، واستحضار التاريخ العريق على منصات الحداثة والرقمنة وآليات الأجيال القادمة، إنه الدور وهو في الوقت ذاته التحدي، والله الموفق والمستعان.

كاتبة مصرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية