العدد 5373
السبت 01 يوليو 2023
banner
"هُواش" الجيران!
السبت 01 يوليو 2023

تؤكد الشريعة السمحاء في نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية على عظم حقّ الجار في الإحسان إليه وحفظ حقوقه بجميع مراتبه، وكفّ الأذى والتغاضي والتغافل عن زلّاته بإكرامه في إفشاء السلام عليه وطلاقة الوجه عند لقائه، وعيادته في مرضه ومشاركته أفراحه ومواساته عند مصيبته، والتجاوز عن زلّاته، وغضّ البصر عن محارمه، ووعظه بالمعروف، والدعاء له والرفق به والستر عليه وإطعامه ومهاداته في المناسبات، ونُصحه في شؤون دينه ودنياه والمشورة عليه بالخير، وتفقّد أحواله والسؤال عنه وتلبية دعوته - سواء كان عابداً أو فاسقاً، بعيداً أو قريباً - بما تتركه هذه الحقوق من آثار إيجابية في نشر المحبة وسيادة الوئام وشيوع التعاون وترسيخ التكافل الاجتماعي.
المؤسف في وقتنا الحاضر، ما بدا من اختلال للمنظومة القيميّة التي أضحت فيها مقولة "الجار قبل الدّار" ضرباً من الماضي البعيد، في خلافٍ صريح لرسولنا الكريم (ص) الذي يعتبر الجار من أهل البيت في قوله: "مازال جبريل يُوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيُورّثه" بعد التدهور السريع في العلاقات وشيوع القطيعة التامّة التي تصل في بعض الأحايين إلى الشّجار والتّحاسد والتّباغض والعدوان والتجسّس والغيبة والنّميمة، حيث يُفاجأ الجار في حالات كثيرة بموت جاره دون أن يشعر به، بل وتمرّ عليه الأيّام ميتاً، فلا تدلّ عليه إلا رائحته الكريهة! حتى بدت هذه الوقائع ظاهرة معقدة تهتك العلاقات بين الأرحام أنفسهم وسط محيط اجتماعي مصغّر تجاهل أساسا مهما من أساسات بناء المجتمع الإنساني الذي يُشكّل إطاراً متيناً لعلاقة متميّزة بين أشخاص لا تربطهم رابطة دم أو صلة رحم رغم التباين في المستوى التعليمي والثقافي والاقتصادي والديني وتغيير أنماط الحياة، قبَالَ مجتمع فاضل أقامه الدين الحنيف وأعظم في استقراره باطمئنان الجار في داره على أهله وعياله بعد اختياره لجاره الذي يحفظه غائباً ويُكرِمه شاهداً.

نافلة: 
ليس من المُبالغ إذا ما قيل إنّ الجار أصبح - في أيامنا هذه - يبيت بهمّه جرّاء أذية جاره الذي يتمنى زوال نعمته عنه والسخرية به بتسقيطه واحتقاره وإشاعة أخباره وإفشاء أسراره، والكذب عليه وتنفير الناس حوله وتتبّع عثراته، والفرح بزلاته ومضايقته في مسكنه وفي مواقف سياراته، بل وإيذائه عند باحة بيته الأمامية بجعلها مرحاضا لمخلفات حيواناته الأليفة وضجيج أطفاله المشاكسين وأصوات تسخين محرك سياراته وتسفيهه بشائن السلوكيات وإيذائه بتربية الهوام الضارة وغيرها.. التي تصل حبكتها في غالب الأحيان إلى حدّ "الهواش" (التشاجر) بينهم وجعل مراكز الشرطة وقاعات المحاكم مُلتقاهم في نهاية المطاف.

 كاتب وأكاديمي بحريني
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية