العدد 5363
الأربعاء 21 يونيو 2023
banner
قبل عرض هذا الكتاب
الأربعاء 21 يونيو 2023

حيث لا تستقيم معرفة تاريخ الأدب الروسي الحديث، دون معرفة نتاجات ومذكرات الروائي الأوكراني السوفييتي الكبير إيليا ايرنبورغ" الناس.. السنين .. الحياة" فإن مذكرات  الشابة الروسية فيرا تولياكوفا عن علاقتها العاطفية والزوجية مع الشاعر التركي الشهير ناظم حكمت والتي صدرت بعنوان" الحديث الأخير مع ناظم" لا تقل أهميةً في تقديرنا عن مذكرات ايرنبورغ، ولا سيما للقارئ الأجنبي الذي يجهل مغاليق الحياة السوفييتية الداخلية، بكل مناحيها الأدبية والثقافية والسياسية، وهي المغاليق التي تمكنت تولياكوفا ببراعة إبداعية من فتحها متوخيةً قدراً كبيراً من الشفافية والموضوعية، فيما لم تزل في تلك السن الطرية عندما شرعت في تدوين كتابها بعد أسبوعين فقط من وفاة حكمت 1963، واستمرت في ذلك التدوين ليلياً طوال عامين كاملين حتى 1965. وإذ ظل شاعر العرب الأكبر  "المتنبي" عصياً على النسيان؛ بفضل ما تركه لنا من إرث شعري عظيم مُبهر ومميز ، فلعل واحداً من كبار الشعراء العالميين يضاهيه في عصرنا بما ذكره الفيلسوف والأديب والمفكر الفرنسي الكبير جان سارتر عن أشعار ناظم حكمت التي قال عنها بأنها ستحميه من النسيان، ولعل ما يضاعف حمايته من النسيان ليست أشعاره فحسب، بل ما دونته زوجته تولياكوفا تحت ذلك العنوان فجرت فيه الكثير من المفاجآت حول الوجه الآخر المجهول لزوجها، سواءً داخل حياته الزوجية،  أو على مسرحي الحياة الأدبية والسياسية داخل روسيا، فلولا هذه المذكرات لما عرفنا ذلك الوجه البتة، اللهم ما صدر عن سيرته بالعربية من شذرات لا تكشف عن ذلك الوجه الآخر المجهول للرجل. وقد قرأ كاتب هذه السطور معظم -إن لم يكن كل- ما صدر حتى الآن من كتب عن سيرة وأشعار هذا الشاعر المثير للجدل، ولا سيما كتابي الروائي السوري الكبير حنا مينه "ناظم حكمت.. السجن.. المرأة.. الحياة" و " ناظم حكمت ثائراً " . 
ومع تقديرنا  لما بذله المخرج السينمائي الأردني عدنان مدانات الذي أثرى المكتبة العربية بعدد من كتبه السينمائية القيّمة، من جهد في ترجمة الكتاب، إلا أن الشكوك تساورنا بأنه بترجمته السريعة غير المتأنية بما فيه الكفاية والتي يعوزها الاحتراف قد ظلم -لا إرادياً- هذا النص الأدبي السينمائي، فائق الأهمية فنياً وأدبياً وسياسيا، سيما وأن المؤلفة صاغته بأسلوب سلس إبداعي أقرب إلى السرد السيناريوهي. 
وهنا سنجتهد قبل تناول الكتاب بإبراز أهم العوارات التي شابت النص المترجم : 
1- إذ يُحسب للمترجم اكتشافه النص ومبادرته السريعة بترجمته،إلا أنه للأسف لم يولِ اهتماماً كافياً بمقدمته لهذا الكتاب، حيث جاءت شديدة الاقتضاب.  
2-بدا تنسيق النص المترجم غائباً، ولا نعلم عما إذا كان النص الأصلي بصيغته الروسية قد صدر بهذا الشكل الذي صدرت به الترجمة، حيث حشر المترجم بدايات أكثر فقرات حوارات وإجابات شخوص النص في السطر الواحد، مستخدماً شرطات كفواصل بين السائل والمجيب في نفس السطر ، عوضاً عن تخصيص سطر جديد أو أكثر للسائل، وبالمثل للمجيب، مما يبلبل القارئ ويرهقه، مالم يمعن في النص بتأنٍ وتركيز شديدين، يأخذان منه وقت أطول في قراءة الكتاب! 
3-يُلاحظ أن النص المترجم شابه الكثير من الأخطاء النحوية، دون أن يخلو أيضاً من الأخطاء المطبعية، وإن كانت هذه-للأمانة الموضوعية- محدودة. كما أن المترجم لجأ بعض الأحيان إلى المفردات العامية التي لا لزوم لها. 
4-في تقديرنا كان الأجمل بالكتاب لو عني المترجم بوضع ملاحظاته في هوامش الصفحات، وليس بين قوسين داخل متن النص. كما كان من الأجدر لو وضع بيلوغرافيا تعريفية بعد نهاية الكتاب بأسماء الأعلام الأدبية والسياسية، وكذلك أسماء المدن والأماكن والبلدان الواردة في النص المترجم خدمة للقارئ، لا أن يتردد ويتركها على عواهنها وألقاء عبئها على القارئ، على نحو ما نوّه المترجم نفسه في ختام مقدمته. فذلك ما يضاعف من إرهاق القارئ، حتى الملم بقدر معقول من تاريخ الأدب الروسي، خصوصاً بالنظر لكثرة الرموز الأدبية والتاريخية التي يصعب استذكارها جميعها. 
لا نعرف بطبيعة الحال إن كانت ثمة ظروف حملت المترجم الأستاذ مدانات على اللجوء إلى هذا الاختزال المعيب لأوراق كتابه،فالغائب حجته معه، لكن في تقديرنا أياً كانت تلك الظروف، فقد كان هذا النص النفيس بلغته الأصلية يستحق أن يضطلع به إن لم يكن مترجم محترف من الروسية إلى العربية، فعلى الأقل -كما في حالة النص الذي ترجمه الأستاذ مدانات- الاستعانة بمدقق لغوي وبمراجع مختص بالترجمة. وإذ أن جميع الحقوق محفوظة لدار المدى العراقية، فإن الأمل يراودنا بأن تتصدى هذه الدار العريقة المعروفة بترجماتها الأدبية الرصينة الرائدة، لإصدار طبعة ثانية بالتعاون مع المترجم نفسه، تتم فيها مراعاة أبرز النواقص التي اجتهدنا بذكرها آنفاً، بما يليق بالنص الرفيع المستوى إبداعياً،وبسمعة الدار، وبما يعزز أيضاً الخدمة الجليلة المشكورة التي أسداها كل من المترجم والدار نفسها للقاريء العربي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .