العدد 5359
السبت 17 يونيو 2023
banner
البراغماتية والميكيافيلية في السياسة
السبت 17 يونيو 2023

من تعريفات السياسة - كما تعلمناها أكاديمياً في السنة الأولى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة - بأنها "فن الممكن"، كما درسنا في السنوات اللاحقة المذاهب السياسية - الاقتصادية المعاصرة، كالرأسمالية والاشتراكية، وكذلك المناهج النفعية في الممارسة السياسية، وأبرزها ما يُعرف بمذهب "الميكيافيلية" نسبة إلى الفيلسوف الإيطالي نيكولو ميكافيلي (ت 1527) والذي عُرف بشعاره المختزل في "الغاية تبرر الوسيلة"، ولعله يتداخل مع أحد المذاهب المعاصرة ألا هو "البراجماتية"، ولطالما هوجمت هذه المدارس على أيدي غلاة العقائديين والآيديولوجيين باعتبارها مدارس انتهازية نفعية.

أما في الممارسة الفعلية، فلا توجد دولة في العالم منذ أقدم عصور العلاقات الدولية تباهت بمبدئيتها الفكرية أو العقائدية لم تنتهج بالمطلق "الميكيافيلية" أو "البراجماتية" خدمة لمصالحها، وما يصدق على الدولة ينطبق تماماً على الجماعة السياسية أو الحزب أو القائد الحزبي، وإذا ما أردنا أن نضرب أمثلة من واقع تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة فإن هذا ينسحب على النموذجين الماركسيين السوفييتي والصيني، كما النموذج الإيراني الثيوقراطي. تُخطئ الدولة الحديثة أشد الخطأ إذا ما توهمت بأنه يمكنها في عالم اليوم ضمان أمنها ومصالحها من خلال انتهاج أو فرض آيديولوجيتها بدعوى مبدئية هذه الآيديولوجية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ففي عالم اليوم، الذي تتجاور فيه الدول وتتشابك المصالح، لابد من إيجاد مقاربة وشيء من التقاطع بين الآيديولوجية والواقعية، ولعل تغييب مثل هذه المقاربة في العلاقات الدولية هو السبب وراء نشوب حربين عالميتين خلال قرننا الآفل، وهو ما يهدد بنشوب حرب عالمية جديدة مستصغر شرارتها على اتساعها الحرب المضرمة حالياً على الساحة الأوكرانية. وهذا ما ينبغي فهمه تماماً إن أردنا الوصول إلى بيئات إقليمية آمنة ومستقرة في عالمنا المعاصر، تساعد على بناء التنمية الحقيقية المستدامة بشروطها الداخلية. وبمثل هذا الفهم وتلك المقاربات تتحقق مبادئ التعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة الاجتماعية المختلفة، وتنتفي المخاطر التي تهدد السلم العالمي. ولئن كانت ثمة دول غربية كبرى تتجاهل مثل هذه المبادئ؛ خدمة لمنافعها الأنانية الضيقة، فقد آن الأوان للدول النامية، ومنها دولنا العربية والخليجية بوجه خاص، لأن تتكتل حماية لمصالحها.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .