العدد 5359
السبت 17 يونيو 2023
banner
جائزة مصرية للمبدعين العرب
السبت 17 يونيو 2023

على مرمى حجر من التاريخ كانت مصر الحاضنة للإبداع العربي والمهيمنة على استقطاب المبدعين في كل مجالات ومناحي الحياة. على سبيل المثال لا الحصر، كانت مصر ومازالت قبلة الفنانين من كل قطر عربي، جاء إليها نجيب الريحاني من أقصى العراق الشقيق ليعتلي عرش الكوميديا في الزمن الجميل، وجاء جورج أبيض ودولت أبيض من لبنان ليساهما في نهضة المسرح المصري في النصف الأول من القرن العشرين، وعلي الكسار من السودان، وجاءت بديعة مصابني وفايزة أحمد وصباح وفريد الأطرش وأسمهان من هلال الشام الخصيب، ليشكلوا حالة إعجازية في تاريخ الفن السابع والغناء العربي والمسرح الحديث، تمامًا مثلما برزت وردة الجزائرية من الجزائر وفاطمة اليوسف وإيميل وجورج زيداني، وسليم وبشارة ليؤسسوا مع المصريين الأوائل صحافة عربية حديثة في روز اليوسف وصباح الخير ودار الهلال والأهرام.
كل هؤلاء وأكثر أمثال الشاعر العملاق بيرم التونسي الذي شدت بأغانيه أم كلثوم مثله في ذلك مثل الشاعر اللبناني جورج جرداق في رائعته "هذه ليلتي"، بالإضافة إلى شعراء السودان الهادي آدم في معجزته الكلثومية "أغدا ألقاك"، إلى جانب نزار قباني الذي جاء من سوريا ليؤسس مدرسة في الشعر وتوظيفه في الغناء مع نجاة الصغيرة "أيظن" و"ماذا أقول له" و"ارجع إليا" انتهاء بتوديعه بالعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ في آخر وأروع أغانيه "قارئة الفنجان". كل ذلك يؤسس لأن تطلق المتحدة للخدمات الإعلامية من قلب العروبة النابض في مصر جوائزها للمبدعين العرب أينما كانوا، من هذا المنطلق ومثلما عودتنا رائدة الإعلام والتنوير في الشرق من خلال مسلسلاتها الرمضانية الهادفة والدراما الأصلية اليافعة التي عبرت عن قضايا المجتمع المصري والعربي ودخلت ثنايا مشكلاته مثل قانون الوصاية وعلاج الخلل في التوثيق والتأريخ من خلال مسلسل الإمام الشافعي.
وتتويجًا لهذا التاريخ العريق، ينبغي إطلاق جائزة مصرية للمبدعين العرب تعيد لها مكانتها وتؤكد ريادتها وتقطع الطريق على كل من تسول له نفسه تغيير الحقائق الثقافية على الأرض، ولكل من يحاول أن يختطف الصورة كل الصورة من المشهد التنويري البديع الذي اعتادت الأمة أن تتابعه منذ فجر التاريخ العربي الحديث. 
إن الإبداع مثلما هو قدرة وتراكم وثقافة فهو صناعة تقوم على قواعد متعددة المحاور والإحداثيات، وتعتمد على لم شمل كل أطراف المعادلة الصعبة في العلوم والآداب والفنون وأهمها تلك العناصر الفاعلة والمحركة والداعمة للتنوير، كتوفر العنصر البشري الموهوب، وعدم التمييز بين المواطن والوافد، وتوفر المعاهد العلمية والمسارح القومية ودار الأوبرا العريقة والموسيقيين الكبار والملحنين والشعراء وكتاب السيناريو والمخرجين والروائيين، بالإضافة إلى توفر مناخ الحرية الذي لا يضع سقفًا للتفكير ولا قيدًا على الإبداع.
ولأن المتحدة للخدمات الإعلامية تمتلك التجربة الناجحة والخبرة المحدثة والإمكانيات الهائلة والتوجه الوطني المنشود فإنها مرشحة بقوة في هذا التوقيت بالذات وأكثر من أي وقت مضى لكي تقود منظومة الإبداع من خلال تكريم المبدعين ومنحهم الأوسمة والنياشين والجوائز التقديرية والتشجيعية التي تضع مصر ومبدعيها وضيوفها على منصات التتويج الأممي، وعروش التميز الثقافي، وقمم التنوير بكل أشكالها وهيئاتها ونوابغها.
ولا أظن أن ذلك على مصر بكثير وهي ترى أشقاءنا العرب وهم يبادرون ويتحركون من أجل أن تكون لبلادهم اليد الطولى في تشجيع المبدعين وتكريم المتميزين، التاريخ معنا والمكان والمكانة تؤازرنا ومقومات النجاح ماثلة أمامنا.
كاتبة مصرية
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .