العدد 5353
الأحد 11 يونيو 2023
banner
بلا وجه
الأحد 11 يونيو 2023

قليلة جدا تلك الروايات التي تبقى عالقة في الذاكرة بعد قراءتها، و”بلا وجه” رواية الكاتبة والشاعرة البحرينية نادية الملاح واحدة منها. إنّ قارئ الرواية يحس بالدهشة والانبهار لعذوبتها والقضايا التي عالجتها بحرفية عالية وملامستها الواقع، إنها – باختصار - حكاية امرأة مكتظة بالوجع والألم، وأشدها تلك النظرة الظالمة للمرأة وسلبها أبسط حقوقها.
إنّ القضية الأكبر كما استعرضتها الرواية تتمثل في الهيمنة الذكورية السائدة، بالطبع تتعدد صور المعاناة والخيبة التي تتعرض إليها المرأة، وبالمناسبة أتذكر أنني كتبت هنا قبل سنوات مقالات عديدة حول ما اصطلح عليه بـ “المعلقات”، وكانت تقدر أعدادهن بالمئات، إذ تتعرض فئة ليست قليلة من النساء إلى التهميش والظلم، وتبقى قضاياهن معلقة لسنوات طويلة في أروقة المحاكم لتعنت الأزواج ومكابرتهم في تحمل مسؤولياتهم الزوجية حتى قيض لقانون الأسرة أن يتجسد على أرض الواقع وأعيدت لكثيرات منهن حقوقهن وحياتهن الطبيعية.
بالعودة إلى الرواية، كانت الطفلة “ندى” الباحثة عن الحقيقة تطرح ما يجول بخاطرها من تساؤلاتها الذكية على “المطوّع”، بيد أنّ هذا الرجل للأسف يجد نفسه عاجزا عن الإجابة عليها، فيعمد إلى تجاهلها بل احتقارها وطلبه منها أخيرا مغادرة المكان بعد تكرارها الأسئلة. “قومي أيتها اللعينة يا صبر أهلك عليك وأنت بهذا اللسان الطويل، لا تعودي إلى هذا المكان، لا تعبثي بعقول الأبرياء بأفكارك البلهاء.. اخرجي!”، لم تكن ندى وحدها من خرجت منكسرة من بيت الحجي أو المعلم، لكن الأدهى أنّ جميع الأطفال ممن كانوا في سنها أصيبوا بالهلع من قسوة المعلم وسوء تصرفاته، بيد أنّ واحدة منهن لم تجرؤ على الكلام.
كانت لـ “ندى” من الجرأة وقوة الحجة أنها لم تتردد في مقارعة من حاول منعها من تلاوة المصحف في بيت الله، “وما وعيت إلا على ظل عصا تنشب نفسها بيني وبين المصحف.. لم أكترث واصلت القراءة، جاءني الصوت.. استحي يا حرمة.. قومي من هنا، قبضت على العصا.. أنا في بيت الله ولن أنهض حتى اتم قراءة ما بين يدي”. ويبقى أخيرا القول إنّ رواية “بلا وجه” رغم أن صفحاتها لا تتجاوز المئة والأربعين صفحة تستحق القراءة لقدرتها الفائقة على ملامسة المشاعر.

* كاتب وتربوي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية