في تحليل مهم بصحيفة الجارديان البريطانية، استعرض باتريك وينتور بعض المخاوف الغربية مع إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان رئيسًا لتركيا، والتي تعد برأيي نقاطًا استرشادية مهمة لدولنا العربية والإسلامية، ومن بين هذه المخاوف إمكانية أن يأخذ أردوغان تركيا بعيدًا عن النموذج الغربي العلماني الليبرالي، والابتعاد عن القيم الغربية، لاسيما أنه بات متحررًا من الضغوط الشعبية لعدم أهليته للترشح مرة أخرى، وهي إشارة لأهمية القيم والمبادئ ودورها في الحكم والسياسة واتخاذ القرارات وبناء التحالفات والصداقات في العلاقات الدولية.
من المخاوف التي سردها الكاتب أيضًا تميز العلاقات التركية الروسية، مستشهدًا بحديث لأردوغان خلال حملته الانتخابية عن العلاقة الخاصة التي تربط بين تركيا وروسيا، وعن علاقاته الشخصية مع الرئيس بوتين، والتي تسمح له أن يكون وسيطًا بشأن الحرب في أوكرانيا، مشيرًا الكاتب إلى وجود صفقات تجارية بين الشركات التركية والروسية، وهو ما يرسل رسالة بعيدة إلى الدول التي تسعى لتنويع علاقاتها الدولية وتعدد شركائها لئلا تقع أسيرة لفلك واحد مهيمن على الساحة الدولية، كما يؤكد وجود حالة من السيولة الدولية انتظارًا لقيام النظام الدولي الجديد ووجود مقاومة هنا أو هناك.
على الجانب الآخر، ومن النقاط المضيئة التي يدعمها الغرب ويرغب في استمرارها، سياسة أردوغان في التهدئة وخفض التوترات مع الجيران، وقد رأينا بالفعل مؤشرات مهمة وخطوات تركية جادة في سبيل إعادة العلاقات الطبيعية مع بعض هذه الدول، وهو ما يمثل فرصة لدولنا في استثمار هذا التوجه التركي الإيجابي، وهذا الرضا الغربي، بما يسهم في تعزيز العلاقات بمختلف جوانبها النافعة. ولعل في اتفاق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان ـ فور فوز الأخير بانتخابات الرئاسة ـ على تدعيم أواصر العلاقات والتعاون بين الجانبين، وقرارهما البدء الفوري في ترفيع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء، مؤشرا على الرغبة العربية في السير بهذا الاتجاه الذي سيسهم أيضًا في التوصل لحلول لكثير من صراعات وأزمات المنطقة، بل وفي بلورة نظام إقليمي جديد يحقق مصالح دوله وشعوبه، وقادر على التعامل بندية وكفاءة مع محاور وتكتلات المجتمع الدولي المختلفة بكل ثقلها وأبعادها.
*كاتب مصري