العدد 5335
الأربعاء 24 مايو 2023
banner
عن الأزمة السودانية؟
الأربعاء 24 مايو 2023

يبدو المجتمع السوداني وكأنه يعيش مأساة سيزيفية، ذلك أنه ما يكاد يصعد إلى القمة، حتى يهوي إلى القاع مرة أخرى، بالضبط كما في التراجيديا الإغريقية القديمة. يتساءل المراقبون إلى أين يمضي السودان اليوم؟

واقع الحال أنه لا يمكن الجواب من دون إلقاء نظرة على ثلاثة عقود خلت، أذكت فيها الأصولية القاتلة التي حكمت ذلك البلد الشقيق، نيران الخلافات، ذلك أنها من قبيل المطلقات لا النسبيات، والمطلقات تتصارع في واقع الحال ولا تتعايش، ومن هنا يبدو جليا لماذا لا تقبل الأطراف السودانية بعضها البعض، بل تريد أن تقصيها وتعزلها سياسيا أول الأمر، وعسكريا تاليا. منذ استقلاله عن مصر عام 1956، والسودان يعيش في دوامة مفرغة من الأحداث المحزنة، تبدأ من عند الأزمات الحياتية والمعيشية، وتمتد لاحقا إلى القلاقل والاضطرابات المجتمعية، ولا يجد الجميع في نهاية الأمر، سوى القوات المسلحة لتحسم الأمر.

تكرار الانقلابات العسكرية في السودان، واختراق تيار الإخوان المسلمين الجيش السوداني خلال حقبة البشير، قاد السودان إلى دائرة مهلكة ها هي نتيجتها. خسر السودان نصفه الجنوبي التاريخي، ولم يكن ذلك إلا بسبب التشدد والتطرف من قبل حاكم الشمال، والذي دفع الجنوبيين للبحث عن حلول بعيدا عن الخرطوم، والتي انشغلت في الكثير من الملفات الفراقية، ونست أو تناست نظيرتها الوفاقية.

ليس سرا أن الجنوب السوداني، الغني بموارده الطبيعية، قد وجد من يدعمه ويزخمه من القوى الدولية، تلك التي تعيش صراعا على رقعة شطرنجية إدراكية.

هل اليوم شبيه بالأمس؟

يخشى المرء أن يكون ذلك كذلك، والإرهاصات تنبئ بذلك، كما أن العين تغنيك عن طلب الأثر أحيانا كما يقال.

وبتفكيك أوسع وتحليل أعمق، يكاد الناظر لشمال السودان اليوم أن يستشعر تقسيما جديدا يلوح في الأفق، بين إقليم دارفور الذي عاني مرارة شديدة من مرتزقة الجنجاويد، والتي تبلورت لاحقا في صورة ميليشيا الدعم السريع، وقد استعان بهم نظام البشير، لإخضاع الإقليم وقبائله لأهوائه، وغاب عنه أن القوة المسلحة لا يمكنها بحال من الأحوال أن تغير الأوضاع أو تبدل الطباع إلى الأبد، كما غاب عنه أيضا أن دافور الغنية بمصادرها الطبيعية وفي المقدمة منها اليورانيوم، ستجد من القوى الدولية من يدفعها دفعا خارج السياق الجغرافي للسودان الذي كان موحدا يوما من الأيام.

وبالمنظور نفسه، فإن ما شاهده العالم من قبائل البجة في شرق السودان مؤخرا، لاسيما بعد إغلاق الطرقات المؤدية إلى البحر الأحمر، يقطع بأن السودان على حافة البركان.

هل كان الأمر بحاجة إلى صراع جديد بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع؟

قبل الجواب ينبغي على الجميع استنتاج حقيقة واحدة، وهي أن الدولة القوية، لا يجب أن تعرف طريقا لوجود ميليشيات على أراضيها، بل مؤسسة عسكرية واحدة، قوية ذات عقيدة قتالية موحدة، وإلا فإن المستقبل سيكون ضبابيا.

والآن وقد بلغ السيل الزبى كما يقال، بات من المؤكد أن أزمة السودان هذه المرة خطيرة للغاية، بل تفتح جراحات واسعة لتدخلات دولية، سوف تنهي مرة وإلى الأبد السودان القديم، وتخلق كيانات متفرقة على أراضيه.

السودان اليوم غير قادر على استنقاذ نفسه، ما يعني أنه من دون إرادة السودانيين أنفسهم، فإن مصير الغرب والشرق، سيكون مشابها جدا لمصير الجنوب المستقل.

لسنا بحاجة للتذكير بأن السودان نقطة ارتكاز محورية للأمة العربية، وعليه يتوجب العمل بأسرع ما يمكن لاستنقاذه من حافة الهاوية.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية