+A
A-

الحشائش اليابسة بكان السينمائي.. التركي نوري بليج جيلان يحلل الذات الانسانية

يأخذنا المخرج التركي القدير نوري بليج جيلان في فيلمه الجديد عن الحشائش اليابسة الى تحليل عميق للذات الانسانية عبر حكاية معلم مدرسة يعيش في منطقة شبه معزولة متجمدة الحياة بها تنقسم بين صيف حار وشتاء متجمد قاس هادئ بطيء وسط احداثيات يومية مستعادة ومكررة حتى يأتي ذلك المعلم ليضف حدثا جديدا في مسيرة تلك المدرسة والمنطقة.

قدم المخرج التركي القدير نوري بيلج جيلان دراما أخرى من أعماله الدرامية الموسعة، التي تمتاز البحث السخي والمتميز التي تحركها شخصيات تحمل تأثيرات الكاتب الروسي تشيخوف.

مرة أخرى ينتشر عبر المناظر الطبيعية لغرب الأناضول، ومرة أخرى هناك تركيز جيلان على التصوير الفوتوغرافي الثابت والبورتريه، ومع ذلك يتمتع هذا الفيلم بلمسة غير نمطية للغاية: لحظة وصفية مذهلة للغاية وبريشته عندما يتم تذكيرنا بأن هذا فيلم نشاهده، ويتم إنشاء التصميمات الداخلية الصغيرة والمضيئة بالنار على المسرح الصوتي عبر مشهد يخرج من خلاله المعلم من المشاهد والديكورات الى خارج اللوكيشن والاستديو الى حيث المرافق الصحية لشرب قدح ماء وليعود من جديد الى تكمله المشهد.

ومع ذلك، فإن لها بالتأكيد عنوانًا نموذجيًا للغاية، أي محظور ومربك بعض الشيء في القسم الأخير من حول العشب اليابس، وتتمثل الشخصية الرئيسية فيه في التأمل في حقيقة أن تضاريس الأناضول الجميلة والمبهرة يبدو أن لها موسمان فقط. الأول هو الشتاء المغطى بالثلج حيث نحصل على لقطة نوري جيلان المميزة لشخص وحيد يتمايل نحو الكاميرا في الثلج. هذا يفسح المجال فجأة لصيف مشرق، حيث ستكشف الأرض عن نفسها لتكون مغطاة بحشائش جافة خالية من الملامح، والتي لها سحر غامض في جمالها المتقشف.

في ظاهر الأمر، الفيلم عبارة عن دراما مدرسية (أخرى) تدور حول مدرس تتعرض حياته المهنية للخطر بسبب تهمة الاعتداء الجنسي على تلميذه.

ونتابع شخصية المدرس (صمد) دينز كلواغلو هو مدرس أصلع في مدرسة حكومية في المنطقة النائية، وهو يشعر بالملل بصراحة من كل شيء أو كل شيء تقريبًا ويتوق لنشره في اسطنبول، إنه مدرس يفتخر بنفسه بشكل متعجرف بعض الشيء، بمدى صداقته مع التلاميذ ودودته، ولكنه قادر على نوبات الغضب السيء التي يكون فيها سيلي أوغلو مقنعًا للغاية. يتشارك المسكن مع زميله المعلم، كنان الأصغر والأكثر أناقة (مصعب إكيشي).

تتعلق بالمدرس طالبة صغيرة شابة وسط ذلك المجتمع المحافظ لتصبح تلك العلاقة البريء منها مثال الحكايات ويقوم بالإعلان عن براءته، ولكنه في الحين يعلم بان هناك عاطفة كبري في قلب تلك الصبية يحترمه رغم رفضه.

وفي خط متوازي يري صمد تطور العلاقة بين صديقته ومعلمة شابة، ولكن حسة الاناني يحركه لان يلتقي مع تلك المدرسة (نوراي) ويقيم معها لقاء عابر لتحقيق رغبته الذاتية.

تستمر الحياة في هذا المكان، ويستمر التحقيق مع صمد وتستمر صداقته المخادعة والمزدوجة مع كينان، وكذلك صداقته الثرثارية السخيفة مع أشخاص آخرين في القرية.

كل شيء يستمر دون الوصول إلى أي نقطة نهاية مثيرة للغاية، ولكن دون الشعور بعدم المناخ أيضًا. هذا الفيلم، الذي من الواضح أنه يحظر ويبهت الطريقة التي كانت عليها العديد من أفلام جيلان في البداية، لديه في الواقع شيء ممتع في جودته الثرثرة والواسعة النطاق: جودة أدبية في الواقع. يمنح جيلان ساميت صفات الراوي الملتزم الساخر، وخائب الأمل وغير راضٍ، ومع ذلك فهو كريم بما فيه الكفاية في طريقه.

لاحقا يعترف صمد بتلك العلاقة ويمضي الى حياته وهي يرتقي أحد القمم متحدثا عن رحلته ليكتشف ان مشواره كان على حشائش يابسة بعد شتاء طويل وهناك في أسفل التلة صديقة المعلم يحاولان استعاده العلاقة التي جرحت نتيجة تلك المغامرة الانانية والرغبة التي جمعت بين صمد والمعلمة

فيلم كبير لمخرج كبير من الطراز الاول من صناع السينما التركية والعالمية انه المخرج نوري بليج جيلان الحائز السعفة الذهبية في مهرجان كان والطامح مجددا الى فوز جديد يرسخ مكانته واسمه وبصمته.

في فيلمه عن الحشائش اليابسة الذي عرض في كان السينمائي لا يتحدث عن عالم المدراس بقدر من هو مشغول بالذات الانسانية في تلك العزلة المتجمدة، ويبقي ان نشير ان هذا الفيلم شاركت في إنتاجه مؤسسة الدوحة للأفلام وهو تعاون متجدد مع هذا المبدع الكبير.