يعتقد البعض أن الاغتراب يكون للعمل أو الهجرة، لكن الحقيقة أن الاغتراب قد يكون داخليا عاطفيا، فيجد البعض أنفسهم مغتربين عن محيطهم دون سفر أو وداع، بلا دموع تذكر سوى على وسادة النوم وحيدا! اغتراب حقيقي يشعر خلاله المرء بالحيرة ويبدأ نسج الأسئلة، ومنها لما هو هنا الآن وبالتحديد في هذا المحيط ومع هؤلاء البشر، وفي تلك المجموعة، فلا يجد الشخص مفرا مما هو فيه، سوى بمحاولات بائسة للخروج والتنزه إذا استطاع أن يفعل ذلك وبمجرد انتهاء “الطلعة” تعود مشاعر الاغتراب لما كانت عليه.
يا له من بؤس حقيقي أن تكون وحيدا ومغتربا وسط العشرات أو المئات أو الآلاف من حولك، تبكي بصمت داخلي لا يشعر بك أحد مهما حاولت أن تصف مشاعرك، إن استطعت أن تصف! الحقيقة أن عددا من الأبحاث وصفت مشاعر الاغتراب النفسي، لكنها لم تصف تحديدا مشاعر الاغتراب العاطفي وأن تكون غريبا عن أسرتك أو مجتمع وظيفتك أو جامعتك أو غيرها، الإشكالية الأكبر أن مشاعر الاغتراب قد تقتنص فرصتها للولوج بداخلك بعد إحباطات عدة لا يجد فيها هؤلاء الأشخاص الحقيقة، فيما أرى شخصيا أن الشباب الصغار في السن أكثر فئة معرضة حقيقة لهذا النوع من المشاعر التي تعد قاتلة، وأصفها بالقاتلة هنا لأن الشباب قد يحاولون دون وعي منهم أن يرتموا في أحضان شركاء أو مجموعات قد تساهم في تدميرهم ظنا منهم أنهم بذلك يحلون المشكلة أو أنهم يهربون منها.
الاغتراب العاطفي قد يصيب كبار السن كذلك، فكم من متقاعد أصبح وحيدا بعدما أفنى حياته في وظيفته ووسط جماعات كان يظن فيهم الخير الكثير، ثم أصبح وحيدا دون سؤال من أحدهم أو اتصال أو اهتمام بعدما كان وجوده هيبة وأهمية ووقارا.
لطفا بالنفوس البشرية، لطفا بالصغار والكبار، دعونا نرجع لإنسانيتنا ولو قليلا، نسأل عن بعضنا البعض نهتم ببعضنا البعض وإن كان مجاملة، فلا تدري لعل كلمة طيبة تثمر مشاعر حب وخير وطيب وتنقل أحدهم من مشاعر الغربة إلى مشاعر الانتماء.
*كاتبة وأكاديمية بحرينية