العدد 5324
السبت 13 مايو 2023
banner
مقبرة قيثارة السماء
السبت 13 مايو 2023

هي منحة من الله تلك القيثارة التي تداولت عنها المواقع والمنصات الإعلامية نبأ نقل رفات صاحبها الشيخ محمد رفعت سيد المتصوفين، وعميد المقرئين، وهدية السماء، هي الضجة التي سبقت حدثا لم يحدث. مجرد خبر تناقلته الصحف والمواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، أن منطقة المجاورين بجوار مسجد ومقام إمام المتصوفين الشيخ عمر بن الفارض، بالتحديد في منطقة السيدة نفيسة الأثرية، بتحديد أكثر في قلب سرة مقابر المشاهير والأئمة والدعاة الذين أثروا تاريخ مصر، وطرزوا حضارتها العريقة على مر الزمان. قامت الدنيا ولم تقعد، في البيوت، في الجامعات، في المقاهي والشوارع وعلى منصات تعاطي المثقفين والمفكرين والصحافيين مع الحدث.
فتشنا عن الحقيقة، حاولنا استعادة تاريخ القارئ القيثارة الشيخ رفعت، لنتذكر صوته في شهر رمضان والناس يجلسون على موائد الإفطار وهم في معية أذانه الخالد. تذكرناه ولم نكن قد نسيناه، وتساءلنا مثلما يتساءل غيرنا، لماذا هذه الضجة، وهل صحيح تتجه الدولة لهدم هذا الكيان الأثري الذي يكتسب قداسة الأثر لدى جموع المصريين والعرب المسلمين؟ هل أن الثورة العمرانية وعصرنة القاهرة القديمة يمكن أن تتم على حساب آثارها ورموزها ومفكريها ونوابغها المؤثرين؟
الأسئلة ظلت عالقة على شبكات التواصل مثلما كانت كذلك في أذهان جموع العاشقين للقارئ الشيخ محمد رفعت، حتى خرجت علينا محافظة القاهرة قبل التعاطي مع الحدث المهيب بخبر مفاده أنه لا صحة على الإطلاق لما أثير حول هدم أو نقل مقبرة القارئ الشيخ محمد رفعت من مكانها الحالي في حضن جبل المقطم، ووسط نخبة من رجال الدين والفكر والعلم المصريين.
جاء الخبر بردًا وسلامًا على الجميع، تمامًا مثلما جاء ليثبت أن الدولة لا تعيش بمعزل عن هموم الناس، وأنه لا تقاطع أبدًا بين مشاريعها التنموية الخلاقة وإعادة ترتيب القاهرة القديمة والمحافظة على قداسة الأثر، وقيمته المكانية، وزهوته التاريخية.
الدولة والناس حريصون على أن يكون لتراثنا ذلك الدور الكبير في بناء ثقافة الأمة، في تحديد مسارات عاداتها وتقاليدها، في تصويب رؤى وتوجهات الطبقات الملتزمة وتلك التي تحاول البناء على ما فات وليس بهدم ما فات.
لكن لماذا يكتسب الأثر قداسة من مكانته الجغرافية؟ لماذا يحظى الأثر بقيمة أعلى وهو في موقعه على خارطة الكون وليس فقط بعظمة عمرانه، أو بسيرة صاحبه، أو بطبيعة "مطرحه"؟
هو نفس السؤال الذي تبادر إلى أذهان الناس عندما خرج الرئيس السيسي مدافعًا عن معتقداتهم مطمئنًا الجميع بأنه لا صحة مطلقًا لهدم كنيسة عتيقة في مصر الجديدة، أو بتشويه هوية حديقة عريقة (المريلاند)، والتي لا يوجد قاهري أو وافد لم يحفر على أشجارها النادرة سهمًا وقلبا، أو ممشى "ساعة العصاري" مع حبيب أو رفيقة درب، حتى وعندما قامت الدنيا ولم تقعد عندما أثير ما أثير حول نقل مقبرة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من مكانها الحالي بسبب بناء كوبري أو إعادة تخطيط المنطقة الكائنة عمرانيًا، لم يتم هدم الأثر أو تشويه جغرافية المكان، ولم ينقل رفات العميد الأول للأدب العربي من مكانه الذي دفن فيه، وأصبح مزارًا لكل المحبين وكل المفكرين في أدب وفكر الدكتور طه حسين.
إن مصر بخير، طالما أنها تحافظ على آثارها، على رموزها، على قداسة مقابر صانعي مجدها وعصرنة ثقافتها، واستدامة قيمتها وتراثها.
الشيخ محمد رفعت كان نابغة عندما تحدث عنه الكثيرون، وعندما عاصره كبار المؤثرين الآثرين على مدى التاريخ، وعلى المدار من الأزمة والعصور.
قال عنه الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف محمد مصطفى المراغي: إنه منحة الأقدار حين تهادن وتجود، وتكريم منها للإنسانية، تمامًا مثلما قال عنه الشيخ محمد متولي الشعراوي "إن أردنا إحكام التلاوة فالشيخ محمود خليل الحصري، وإن أردنا حلاوة الصوت فعبدالباسط عبدالصمد، وإن أردنا النفس الطويل مع العذوبة فمصطفى إسماعيل، وإن أردنا هؤلاء جميعًا فهو محمد رفعت.
رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح جناته.

كاتبة مصرية
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .