العدد 5317
السبت 06 مايو 2023
banner
كليوباترا
السبت 06 مايو 2023

إنهم يشوهون التاريخ.. هكذا يمكننا أن نلتقط التوصيف من قلب جميع مشاهد فيلم "كليوباترا" الذي أنتجته قناة "نتفليكس" الأميركية وأثار ضجة كبيرة في مختلف الأوساط الثقافية العربية والدولية، الضجة لم تكن مفتعلة، لكن الفيلم كان مفتعلاً، والإثارة كانت متعمدة، لكن رد الفعل كان تلقائيًا.
التاريخ لا يكتبه المزيفون، لكن يكتبه ويتحقق منه المؤرخون، والحقائق لا يكتشفها المغرضون، لكنها تخرج للناس بفطرتها وطبيعتها وأحداثها وشخوصها وزمانها ومكانها من دون رتوش. هكذا لم تفعل "نتفليكس" عندما صورت ملكة مصر "البطلمية" الأصل على غير حقيقتها، وعندما حاولت إثارة الغبار الكثيف من فوق مقبرة لو تم اكتشافها لأصبحت مصر من أغنى أغنياء العالم الحديث. فشلت "نتفليكس" في قلب الأوضاع، وفي تزييف الحقائق، لأنه لا الإعلام المصري، ولا حتى الغربي سكت عن الفضيحة القصدية، ولا السلطات المسؤولة عن كتابة التاريخ في مصر غضت الطرف. مؤخرًا بدأت قناة الوثائقية بقطاع الإنتاج الوثائقي في شركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" بالتحضير لإنتاج فيلم وثائقي عن الملكة كليوباترا، ابنة بطليموس الثاني عشر آخر ملوك الأسرة البطلمية التي حكمت بعد الإسكندر الأكبر المقدوني. ما أشبه الليلة بالبارحة يحاول الغرب دق اسفين بين شمال أفريقيا والقارة السمراء، وما أسوأ ما يقترفه الغرب من خلال آلاتهم الإعلامية "المفهومة"، عندما يحاولون نشر الأكاذيب من خلال شخصيات يحبها الناس، وعن طريق "فن سابع" تعشقه الملايين.
"المتحدة للخدمات الإعلامية" تصدت بالوثائق لتصحيح المزيف من تاريخ الملكة المصرية كليوباترا، ليس لأن "نتفليكس" أظهرتها كأفريقية سمراء بارعة الجمال، وليس لأن قيامة المصريين التي قامت كانت من منطلق عنصري تمييزي والعياذ بالله، لكن لأن الفيلم نفسه جاء ليشوه حقائق "انثروبيولوجية" ترتبط بالإنسان والمكان والزمان وأحداث الدراما الملفوف عليها بسيناريوهات قصدت التحريف ولم تقصد الحقيقة، جانبها التوفيق ولم يحالفها الحظ هذه المرة.
ولو أن القائمين على "نتفليكس" قد قرأوا ما كتبه شكسبير مثلًا عن كليوباترا، أو تشارلز ديكنز في رائعتهما عن كليوباترا وهما عملاقان إنجليزيان في صياغة الفكر النوعي الإنساني على مدى قرون من الزمان، لو أن "نتفليكس" قد عادت فقط إلى هذين الأديبين لما كانت قد وقعت في تلك المغالطة التاريخية. 
لا أقول عودوا إلى أحمد شوقي في مسرحيته، ولا إلى كتبة التاريخ المصري بالمجمع المتخصص في الثقافة العلمية، ولا حتى إلى الأدباء الذين كتبوا الكثير ومازال لديهم الأكثر عن الملكة المصرية صاحبة الإرث الأكبر من الجدل ربما في كل شيء.
"المتحدة للخدمات الإعلامية" لم تأت بفيلم وثائقي لإعادة تلوين الأحداث، أو لكتابة تاريخ لم يُكتب، أو لتوثق ما لم يتم توثيقه من قبل، لكنها جاءت لتذكر الناس بأنه كان في مصر ملكة تندرج من أصول مقدونية وتنتمي للأسرة البلطمية العريقة التي حكمت مصر لأكثر من 300 سنة، وكانت هذه الملكة آخر ملوك تلك الأسرة ليس إلا.
"نتفليكس" جاءت بعتمة بصيرة، و"المتحدة" تأتي إلينا بالأدلة والبراهين، "نتفليكس" تعمدت تشويه التاريخ وفشلت، و"المتحدة" سوف تأتينا بالحقائق التي "لم تزود". التوضيح مهم، والكشف عن المكنون أهم، وكتابة التاريخ وثائقيًا أو سينمائيًا أو شعريًا أو من خلال النحت والرسم والفنون والموسيقى أهم وأهم.
من هنا لم تسكت "المتحدة" ومن نفس المنطلق لن يسكت المصريون ولا حتى العرب وهم يشاهدون تاريخهم وغيرهم يحاولون تزييفه ولكن لا حياة لمن تنادي.
كليوباترا المصرية مقدونية الأصل رغم أنف "نتفليكس" ومن هم وراءها، ومصر عربية تنتمي لقارتي آسيا وأفريقيا، رغم المغرض من حملات، والمزيف من ادعاءات، والزائل من ترهات.
كاتبة مصرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .