العدد 5313
الثلاثاء 02 مايو 2023
banner
تحت الوصاية!
الثلاثاء 02 مايو 2023

ليس مجرد مسلسل رمضاني سيذهب أدراج الرياح، ولا هو دراما للتسالي وتضييع الوقت وليكن ما يكون، لكنه رسالة لكل من يهمه الأمر، حرصت شركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" على توصيلها من خلال الحبكة الدرامية المناسبة والحوار البسيط الشامل في التوصيف لا التحريف لمشاهد تدخل في قلب المدرسة الواقعية تصويرًا وتناغمًا مع حالة مجتمعية شديدة الاقتراب من ضمير المتلقي، وثقافته المعتمدة على الانحياز للمظلوميات، والفرز بين المتناقضات والتفاضل ما بين الوقائع والخيالات.
إنهن سيدات مصر المكافحات، وأمهاتهن المضحيات، وهذا هو القانون الذي يحميهن من غدر الظروف، وشراسة الأحوال، وها هي الثقوب وقد اتسع محيطها في ثوب التشريع المنظم لحقوق المرأة بعد زوجها، ولحقوقها وهي في بيت الزوجية من دون رتوش قبل انفصالها، وها هو الرجل الذي يجب أن يراعي الله فيها ويتحمل مسؤولياته تجاهها. إنه المسلسل الهادف لتغيير بوصلة المجتمع من خلال التشريع لا الترويع، وعن طريق التوعية وليس فتح الملفات وتركها من دون تعاط أو متابعة.
إن رسالة الأم في الحياة مقدسة ولا يمكن المساس بها أو إعاقتها أو تضييق الخناق عليها حتى تفشل وبالتالي يفشل المجتمع معها. منى زكي التي أبدعت في دور الأم المكافحة خطفت الأبصار والأنظار، وأصبحت نموذجًا يحتذى به داخل نطاق الأسرة العربية التي تابعت المسلسل ليصبح واحدًا من أعلى المسلسلات مشاهدة خلال الشهر الفضيل.
المغزى والمحك في الهجرة من مكان لمكان لسيدة تحمل على أكتافها أبناءها لتذكرنا بالفيلم الهندي القديم "من أجل أبنائي"، وتشد انتباهنا وهي تبحث عن مأوى لهم من دون أن تكون لديها أوراق ثبوتية أو مستندات للتحقق من شخصيتها. المدهش في المسلسل أنه يعكس بكاميرا شديدة الاتساق بحركة الأشياء حول البطلة كيفية تعاملها مع الأطماع فيها، ومع التحديات التي كانت تتناثر من حولها، من مأوى إلى لا مأوى، ومن قطار إلى سيارة غير صالحة للاستخدام الآدمي، ومن طريق مفروش بالورود إلى آخر مفروش بالحفر والمغارات والأنفاق الطويلة المظلمة، وأخيرًا من مركب على شط مزروع بالأفاعي والعناكب والطامعين، إلى عرض البحر حيث المجهول والخطر والبحث عن الرزق الإلهي الوفير.
إنها حالة درامية باكية حزينة على وضع أسرة صغيرة بلا رجل، وعلى أسرة وحيدة دون سند، وأطفال في عمر الزهور من دون مستقبل مضمون. 
هذا هو النموذج من بنات مصر وسيداتها، يذكرني بقصص وبطولات عربية عديدة للمرأة التي يسافر زوجها إلى عرض البحر باحثًا عن مغاصات اللؤلؤ في الخليج، حيث يقضي شهورًا طويلة ليعود محملًا بالخير والمحار، ولا يهم إن كان قد فقد في رحلته قدمه أو يده أو عينيه.
المهم أن يكون المحار الغني باللؤلؤ الطبيعي في حوزته وبين يديه، أما المرأة البحرينية فكانت تتحمل بمفردها تربية الأبناء وتعليمهم وتوفير الرعاية الكاملة لهم من مأكل ومشرب وملبس وعلاج ومتابعة، حتى تخرج من بين يديها جيلًا صالحًا للحياة. 
وها نحن اليوم أمام نموذج جديد للمرأة العربية في مصر وهو يجسد مشاهد في غاية الواقعية للأم المكافحة المضحية بالغالي والنفيس من أجل صون شرفها والدفاع عن حضانة أولادها وتوفير حياة كريمة آمنة مطمئنة لهم.
"تحت الوصاية" مسلسل رمضاني يستقر في الوجدان العربي، مستفزًا لديه الرغبة في المساعدة، وفاتحًا بأحرف من نور إشكالية وصاية المرأة على أبنائها بعد أن يبلغوا سن الرشد في ظل أب لا يراعي، وأم قادرة على تحمل المسؤولية لتذكرنا مع الفارق بالمسلسل السوري القديم "نهاية رجل شجاع" للفنان الكبير أيمن زيدان الذي احترف ركوب البحر، وصان حقوق الغير، حتى خرج ولم يعد، في دراما باكية وضعت الضمير الإنساني كله على المحك.
منى زكي شأنها في ذلك شأن أيمن زيدان، سيدة ورجل، أيهما أو كلاهما يمثلان نموذجًا لفن هادف، وليس لدراما مسطحة بتسليع المرأة وتحويلها إلى أداة للمنفعة اللحظية كأنثى، وليس باعتبارها عنصرًا فاعلًا ومؤثرًا في المجتمع كإنسانة. 

كاتبة مصرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .