العدد 5299
الثلاثاء 18 أبريل 2023
banner
ثقافة العشر الأواخر في رمضان مصر
الثلاثاء 18 أبريل 2023

من لم يزر مصر في رمضان، ومن لم يتعبد في محاربها ويجاور أولياءها الصالحين ويمشي في ساحة الفاطميين، ويربط الليل بالنهار بين أزقتها وشوارعها في مصر العتيقة مثلما يقولون أي في مصر القديمة، فقد فاته الكثير.
السياحة الدينية في أرض الكنانة يمكنها أن تعيد بناء اقتصاد أمم، كما يمكنها أن تحقق ما لم تحققه المشروعات الأخرى بنفس تسارع وتيرة العوائد والمداخيل والقيم الاقتصادية المضافة. مصر في رمضان ليست المسحراتي والمسلسلات والدراما التلفزيونية فحسب، لكنها أيضا حالة روحانية خالصة، سلوك إنساني خاص، معلم حضاري متمكن من تراثه وتاريخه وآثاره ومقتنياته الفريدة وطقوسه التي لا تتكرر في زمان العصر ولا في أرض الله الواسعة. إنها فرصة لالتقاط مناسك، ومعايشة أحوال، واستلهام عبر، وبشاشة وجوه، وإقامة الصلاة وصوم الشهر الكريم والتجول ما بين الإمام الشافعي وسيدنا الحسين، وبين المغربلين والغوريا وبوابات مصر القديمة، والسيدة زينب إلى حدود العالم المعاصر الذي تسهر مقاهيه" الفيشاوي" ونجيب محفوظ وريش وزهرة البستان في وسط البلد، وغيرها الكثير مما يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
قاهرة المعز وآلاف المآذن والأضرحة لأهل البيت الكرام لأولياء الله الصالحين والأئمة المتقين وشيوخ الطرق الصوفيين "عمر ابن الفارض" وكثيرين غيرهم، كل هؤلاء يستقبلون معنا العشر الأواخر وهم مرحبون وكأنهم مازالوا بيننا علي قيد الحياة، وكأننا في محاربهم نقيم صلواتنا الخمس.. فرحين، خاشعين، متوكلين على الله ورسوله وأتباعه المؤمنين الصالحين، هكذا هي الأجواء، وتلك هي المناسك، وذلك هو الطقس العتيد الذي لا يتكرر كل سنة إلا مرة واحدة.
رغم ذلك لم يختف صوت النقشبندي وهو يؤذن للصلاة، ولا الشيخ محمد رفعت وهو يأتي من السماوات العلا لكي ينبئنا بأن هلال الشهر الكريم قد هل، ولا صوت عبدالمطلب في رائعته "رمضان جانا أهلًا رمضان" من ألحان الموسيقار الراحل محمود الشريف، ولا صوت كوكب الشرق أم كلثوم وهي تخبرنا بليلة العيد في ملحمتها" ياليلة العيد انستينا وجددتي الأمل فينا ياليلة العيد".
الإذاعة المصرية لا تسكت، والشوارع لا تنام والناس يتسابقون ليس على الانتظار في طوابير قبل الإفطار بساعات لشراء الكنافة" الشعر" أو الطازجة النيئة التي تستقبلها ربات البيوت بالفرح والمكسرات ومزيد من الطلبات للزوج الذي يشقى والأم التي تسهر الليالي لإسعاد أهل بيتها.
العشر الأواخر هي السباق بين ربات البيوت وأطفالهن نحو المخابز لصناعة كحك العيد والبسكويت والغريبة، هي صلاة التراويح، وهي الدعاء إلى الله، وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وقبل هذا وذاك، الشهر الفضيل بكل تفاصيله وحذافيره في مصر العربية الإسلامية الجميلة وما خفي أعظم، وكل عام وأنتم بخير.


كاتبة مصرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .