لعل واحدة من أشد المفارقات التاريخية في مشهد الأزمة العامة التي تعصف بالدول الغربية الكبرى الرأسمالية، تتمثل في أزمة قيادات غالبية دولها السياسية، بمعنى عدم كفاءة هذه القيادات سياسيا، وعدم تأهلها لإدارة دولها على الصعيدين الداخلي والخارجي، أياً تكن الأحزاب أو التيارات التي تنتمي إليها، وهي أزمة تتكامل مع أزماتها الأخرى على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة، ولعل بريطانيا وفرنسا تأتيان بدرجة أقل، إذا ما تذكرنا رؤساء حكومات الأولى كلاً من: تيريزا ماي وبوريس جونسون والحالي ريشي سوناك. أما الثانية فتتمثل بوجه خاص في رئيسيها الأسبق ساركوزي والحالي ماكرون.
أما الولايات المتحدة فلك أن تقارن رؤساءها إبان الحرب الباردة برؤسائها في أعقابها، سواء من حيث الكفاءة والخبرة السياسية، أو من حيث حسن السيرة الشخصية، فقد تناوب على الرئاسة زمن الحرب الباردة تسعة رؤساء، بدءاً من الرئيسين ترومان وآيزنهاور، ومروراً بالرئيسين، كيندي وجونسون، وانتهاءً بالرئيسين ريجان وبوش الأب، فيما تناوب على الرئاسة منذ انتهاء الحرب الباردة خمسة رؤساء، هم كل من: كلينتون وبوش الابن وأوباما وترامب والرئيس الحالي العجوز بايدن. إن أية قراءة سياسية متفحصة لسيرة وكفاءة رؤساء الحرب الباردة - بغض النظر عن إخفاقاتهم وإنجازاتهم - لا يمكن مقارنتها البتة بسيرة الرؤساء الخمسة الأخيرين، فيما خلا أوباما، وإن كان عُرف بضعف قوته السياسية. وكان عهد كلينتون قد عُرف بفضيحته الجنسية مع مونيكا لينسكي داخل البيت الأبيض، فيما عُرف عهد بوش الابن بغبائه السياسي وضحالة معلوماته السياسية، أما عهد الملياردير ترامب فقد عٌرف بجنون عظمته الشخصية ومواقفه التهريجية الاستعراضية، فضلاً عن سمعته الأخلاقية السيئة، وأخيرا يأتي الرئيس الحالي بايدن الذي ما زال يُعرف بضعف ذاكرته، وترنحه في مواقف بروتوكولية عديدة تحت تأثير أمراض الشيخوخة المبكرة، وهكذا نرى أن عهود هؤلاء جميعا فضيحة بكل المقاييس في تاريخ الولايات المتحدة، ولا يليقون بأي معيار بسمعة أقوى دولة عظمى عُرفت بريادتها في صناعة القادة الإداريين، في الوقت الذي بدت عاجزة عن تأهيل نظرائهم القادة السياسيين، وهو ما يشكل إدانة للطبقة السياسية والقوى الاقتصادية المستفيدة التي جاءت بهم إلى سدة الحكم على حساب الكفاءة والسيرة الذاتية، وبضمنها الأخلاقية.
* كاتب بحريني