العدد 5300
الأربعاء 19 أبريل 2023
banner
حديث الوثائق.. مسربة أم متسربة؟
الأربعاء 19 أبريل 2023

وكأن الولايات المتحدة الأميركية، تنقصها إشكاليات داخلية، لتأتي قضية تسريبات وثائق وزارة الدفاع، لتزيد المشهد الداخلي ضبابية، وليختلط الحابل بالنابل، ما بين قلاقل سياسية، وفوضى مجتمعية، ناهيك عن مواجهات عسكرية خارجية قائمة وقادمة، من أوكرانيا إلى تايوان على نحو خاص.
من قام بتسريب تلك الوثائق المهمة للغاية، والتي تمس الأمن القومي الأميركي، وتتقاطع مع حلفاء أميركا المقربين مثل إسرائيل وكوريا الجنوبية وغيرهما؟ قبل بضعة أيام قدمت صحيفة النيويورك تايمز ذائعة الصيت، رواية مثيرة للجدل، كشفت فيها عن هوية المشتبه به الأول في عملية تسريب الوثائق، مشيرة إلى أنه طيار في الحرس الوطني الجوي. على جانب إعلامي أميركي آخر، كانت صحيفة وول ستريت جورنال، تفيد بأن المحققين في شأن تلك الوثائق لا يستبعدون أنها ضاعت بسبب الإهمال.
تبدو الروايات الصحافية الأميركية، وكأنها قصص تصلح للعرض على شاشات هوليوود، لا تحقيقات جدية في شأن أهم دقائق وأسرار وزارة الدفاع في دولة لا تزال مالئة الدنيا وشاغلة الناس. ما هي حقيقة قصة وثائق البنتاغون التي راجت عبر وسائط التواصل الاجتماعي وكأنها فصول من رواية عبثية لصموئيل بيكيت؟
بداية ربما ينبغي القول إن هذه أخطر تسريبات تجري بها المقادير في الداخل الأميركي منذ حادثتين كبيرتين سابقتين، الأولى المعروفة باسم "ويكليكس" لصاحبها جوليان أسانج، والثانية موصولة بإدوارد سنودن رجل جهاز الأمن القومي الأميركي، والذي فضح الكثير من أسرار أهم وأخطر وكالة معلوماتية في أميركا، وأكثرها سرية، إلى درجة أنها توصف بأنها غير موجودة من الأصل. أما إذا أردنا الرجوع إلى ثمانينات القرن الماضي، فسنجد خرقا استخباريا كارثيا حل بأميركا، من خلال قيام عميل البحرية الأميركية، جوناثان بولارد بنقل خطط وخرائط وعمليات وتسليح بحرية الولايات المتحدة إلى إسرائيل، والتي قايضت عليها الاتحاد السوفييتي بمهاجرين يهود، وتلك قصة أخرى. هل هي وثائق مسربة فعلا، أم متسربة قولا؟
الفارق اللغوي واضح، المسربة تعني أن يدا ما طالتها، لأسباب مختلفة، فيما المتسربة، تفيد بأن هناك من تعمد تسريبها من أصحابها والقائمين عليها، بهدف واضح مرتبط بأهداف استراتيجية تخدم مصالح الأمن القومي.
وبقليل من التحليل، يمكن القطع بأن مثل تلك الوثائق، والتي كانت معدة لرئيس الأركان الجنرال مارك ميلي، محاطة عادة بجدار فولاذي من السرية والاحتياطات الأمنية، والأيادي التي تطالها لابد لها من تصريح أمني عالي السرية، لا يتوافر إلا للقيادات العسكرية من الجنرالات ذوي النجوم الأربع، أو الرتب الاستخبارية رفيعة القدر.
هنا لا يمكن أن تكون رواية الطيار الذي يعمل بقاعدة عسكرية، متينة وتقاوم النقد.
الاحتمال الآخر، والذي لا يمكن استبعاده، هو أن هناك من أراد لهذه التقديرات والمعلومات الاستخبارية أن تتسرب بالفعل، لتحقيق أهداف تخدم الأمن القومي الأميركي، كإحداث قلاقل واضطرابات في صفوف الأعداء الآيديولوجيين لأميركا، وفي مقدمتهم الصين وروسيا. 
 لكن هذا الاحتمال كذلك مردود عليه بالقول إن بعض تلك الوثائق، تؤذي بشكل بالغ علاقات واشنطن مع حلفاء مقربين. 
هنا العودة إلى قصة الطيار الشاب، وهل يمكن أن تكون حقيقية؟ 
إن كان ذلك كذلك، فإن أميركا في أزمة أمنية خطيرة، سيما وأن رؤى الطيار الشاب وتوجهاته، تتسق مع الجماعات اليمينية المتطرفة التي تؤمن باستخدام السلاح، ولديها خلاصات دوجمائية، وترفض حكومة أميركا بشكلها الحالي.
هل من خلاصة؟
 قلق أميركا غير مريح لبقية أرجاء العالم.


كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .