وكأنه قد صار قدرا مقدورا في زمن منظور، أن تملأ إسرائيل الأجواء الروحانية لشهر رمضان، بأحداث العنف، وأفعال الكراهية، لاسيما من قبل تلك الجماعات التي لا دالة لها على السلام.
اختارت العرب طريق السلام، بهدف قطع الطريق على إرث الدم الذي ملأ ساحات الأراضي الفلسطينية والعربية، منذ عام 1948، ومع ذلك تمضي حكومة نتنياهو في اتجاهات لا تدعم السلام، ولا تفيد مسيرة الوئام بين أبناء إبراهيم في الحال أو الاستقبال.
ما حدث ويحدث في إسرائيل كل عام في زمن الفصح اليهودي، هو محاولة لتحويل الصراع السياسي إلى ديني، لاسيما بعد أن فشلت في ترويض الشعب الفلسطيني.. ليس سرا القول إن حكومة بنيامين نتنياهو، ليست حكومة ذات دالة على السلام، ولأنها تجد نفسها مأزومة في الداخل، والدليل التظاهرات التي ملأت أرجاءها الأسابيع الماضية، لهذا فإنها تعمد إلى الهروب للأمام، من أجل إيجاد فرصة لفتح نافذة على أحداث أخرى تحرف نظر الإسرائيليين عن إخفاقاتها في لم الشمل الوطني الداخلي.
استغلت حكومة نتنياهو التي تمتلئ بأصوات يمينية مغرقة في التطرف قرب عيد الفصح اليهودي، وحدث إيعاز بعض الجماعات اليهودية المتطرفة للغاية، يقضي بأن تقدم قرابين حيوانية داخل الأقصى. ربما لا يتفهم القارئ العادي العلاقة بين عيد الفصح، وفكر إقامة القرابين، وهي في الحق قصة معقدة، وبحاجة إلى قراءات مطولة، لكن بغير تطويل ممل أو اختصار مخل، يمكننا القول إنها الفكرة التي تقودنا إلى الكارثة التي يسعى إليها غلاة المتشددين اليهود، وفي المقدمة منهم الجماعة المعروفة باسم "أمناء جبل الهيكل".
تعنى هذه الجماعة بهدم الأقصى، حيث الادعاءات بأنه مبني فوق هيكل سليمان، وأنه لابد من إعادة بناء هذا الهيكل من جديد. والمعروف أنه جرت محاولات عديدة لهدم الأقصى من قبل، كلها باءت بالفشل، لكن اليمين اليهودي، لا ينفك يمضي في اثر ما قاله دافيد بن جوريون، أول رئيس لوزراء إسرائيل، من أنه لا فائدة لإسرائيل من غير القدس، ولا معنى للقدس بدون بناء الهيكل.
من هنا جاءت أحداث الأيام الماضية، والتي يمكن أن تستمر طوال شهر رمضان، حيث دفعت الشرطة الإسرائيلية المدججة بالسلاح، بأعداد كبيرة، ناهيك عن مثيل لها من القوات المسلحة، بهدف اقتحام الأقصى وفض المعتكفين المرابطين الذين يدافعون عن الأقصى، وذلك للسماح لليهود بالدخول وممارسة شعائر التطرف الممجوج. يعن لنا التساؤل: "هل هذه أفعال تقود إلى السلام؟".
لا يغيب عن ذهن أي أحد أن السلام لا يقوم وسط أعمال العنف، كما أن إهانة المقدسات أمر لا يقبله أي صاحب ضمير صالح، مهما كان دينه أو معتقده، عرقه أو جنسه.
المقدسات مطلقات لا تقبل فلسفة التفاوض، بخلاف القضايا السياسية ذات الطابع النسبي، والتي يمكن اقتسامها، أي الوصول إلى حلول عبر فلسفة المواءمات.
حين قرر العرب المضي في طريق السلام، فإنهم فعلوا ذلك بشجاعة كبرى، من زمن كامب دافيد، إلى أوان الاتفاقيات الإبراهيمية، ذلك أنه لم تكن لديهم أية إشكالية مع الديانة اليهودية، فقد عاش اليهود زهاء خمسة قرون في العالمين العربي والإسلامي، وتشهد معابدهم الفخمة والضخمة وسط القاهرة، على درجة المواطنة التي حازوها.
اليوم هناك من يعكر صفو أجواء السلام، ويدفع التيارات الأصولية والجهادية لإعادة إنتاج القضية الفلسطينية كمحور للشقاق والفراق بين العرب والإسرائيليين.. هل من عاقل أو رشيد بينهم؟.
كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية