العدد 5286
الأربعاء 05 أبريل 2023
banner
هل أميركا في أزمة؟
الأربعاء 05 أبريل 2023

أحد أهم الأسئلة التي تشغل بال المراقبين للمشهد السياسي العالمي في هذه الأوقات، هو ذاك المتعلق بمستقبل الولايات المتحدة الأميركية، والسبب هو أنها لا تزال قاطرة العالم، وعليه، فإذا أصابها عطب ما، سوف تتأثر بقية أرجاء المسكونة، والمرء يتذكر ما جرى في العام 2008، من أزمة مالية، تسببت في خسائر جمة للعالم برمته. تبدو الولايات المتحدة الأميركية اليوم في مواجهة أكثر من معضلة، فهناك حالة من الصراع السياسي، والعنف المجتمعي، والأزمة الاقتصادية، وجميعها تفتح الأبواب واسعة تجاه المجهول. 
وقت ظهور هذه الكلمات للنور، تكون أميركا قد دخلت حالة غير مسبوقة، من التعامل مع رؤسائها السابقين، تحت حجة، أن لا أحد فوق القانون، فما يحدث مع الرئيس السابق ترامب، من دون أدنى شك، هو مطاردة للساحرات على حد تعبيره، فهناك من يترصده ويسعى لإغراقه في متاهة من المؤامرات، بدأت ولم تكن قد مرت على دخوله البيت الأبيض بضعة أسابيع بفرية التعامل مع الروس، والتجسس من ثم على حملة هيلاري كلينتون الانتخابية.
جاء ترامب من خارج المؤسسة السياسية الأميركية، وهو أمر لم تغفره له الدولة الأميركية العميقة، والتي تقود المشهد في عموم البلاد. هل ما يفعله الديمقراطيون سيتسبب في أذى بالغ للامبراطورية الأميركية المنفلتة، كما يقول المؤرخ الأميركي الشهير بول كيندي؟ المؤكد أن ما يحدث يشغل الداخل الأميركي في صراعات غير مفيدة، سوف تعمق حالة الاهتراء التي تجتاح النسيج المجتمعي الأميركي.
لا يزال الرئيس السابق ترامب يشكل حجر زاوية مهما للغاية بالنسبة لملايين الأميركيين، أولئك الذين انتخبوه في 2020، والذين يؤمنون بأن تلك الانتخابات، قد جرت سرقتها بالفعل. عطفا على ذلك، فإن التيار اليميني المسيحي، والذي يشكل قرابة ربع السكان الأميركيين، يبدو واضحا جدا أنه جاهز لدعم ترامب، ويكفي أن يتابع المرء التغريدة التي كتبها الواعظ الأميركي فرانكلين غراهام، ابن واعظ البيت الأبيض الأشهر بيلي غراهام، وفيها يطلب الصلاة من أجل ترامب، وهو ما يجعل منه شهيدا سياسيا على مذبح الحياة العامة الأميركية.
أما على الجانب السياسي، فيكفي المرء متابعة التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين الجمهوريين، ومنهم كيفين مكارثي، رئيس مجلس النواب، الذي اعتبر أن المدعي العام الديمقراطي ألفين براغ، يهدر أموال الدولة العامة، بسبب توجهات الديمقراطيين الراديكالية اليسارية.
المثير في المشهد الأميركي الترامبي، أن الذين يعتبرون منافسين لترامب، وفي مقدمتهم حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتس، المرشح الأكثر حظا في صفوف الجمهوريين لرئاسة 2024، يصرح بأنه لن يقوم بتسليم ترامب، حال طلبت منه المحكمة في نيويورك ذلك.
أما نائب ترامب السابق مايك بنس، فيعتبر أن ما يحدث في الداخل الأميركي، يعطي الأنظمة الاستبدادية ذريعة لأن تستغل سلطاتها، وتوجه الاتهامات أو توزعها، على من يخالفونها الرأي كيفما يشاؤون. المشهد الأميركي المضطرب يفتح الباب واسعا مرة أخرى للتناحر العرقي، سيما في ظل وجود مدع عام عرف بأنه كرس الكثير من أوقاته لملاحقة ترامب بنوع خاص، ما يفيد بأن مواجهات عرقية يمكن أن تنشب بين الأميركيين من منطلق عرقي.
وفيما الولايات المتحدة الأميركية، مهمومة بل محمومة، في الصراعات الداخلية، تكسب القوى القطبية المناوئة لها مربعات نفوذ جديدة حول العالم، فيما الأصدقاء القدامى يتوجسون خيفة من التحالف معها، ويسعى بعضهم كالأوروبيين بنوع خاص في طريق البحث عن نجاتهم بعيدا. 
تبدو روسيا الأكثر سعادة عندما تتعمق الخلافات الأميركية البينية، ويتضعضع البناء الأميركي السياسي والاقتصادي، ما يترك أثرا واضحا على الجهوزية العسكرية للبلاد. 
فيما الصين، تبدو المستفيد الأكبر من أزمات الأميركيين، وتقوم بملء مربعات نفوذ حول العالم، لم تعد واشنطن تلتفت إليها.
ما تشهده أميركا معروف في سياق علم الحضارات، إنه زمن الأفول الامبراطوري الذي يلوح على الأبواب.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية