العدد 5279
الأربعاء 29 مارس 2023
banner
عن فتنة اليورانيوم المنضب
الأربعاء 29 مارس 2023

وكأن الصراع الروسي الأوكراني، كانت تنقصه لمسة أخرى من لمسات الجنون، ليتحول بعدها إلى مواجهة كونية، لا تصد ولا ترد. 
امتلأت الأجواء الأيام القليلة الماضية بأنباء تزويد أوروبا لأوكرانيا، بما يعرف باليورانيوم المنضب، لاستخدامه في الحرب الضروس الدائرة هناك، والذين لديهم علم من كتب الفيزياء النووية، يدركون أن هذه المادة هي التي تفضل عن عملية تخصيب اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة النووية، وبالتالي فإنه لا يتوافر إلا للقوى الدولية التي تملك برامج نووية وأسلحة ذرية.
يمكن للأسلحة المزودة بمثل هذا النوع من اليورانيوم، أن تغير موازين الحرب الدائرة، إذا ظلت في أطر المواجهات التقليدية، وتشكل قذائف اليورانيوم المنضب أو المستنفذ، قوة هائلة قادرة على تفكيك وتفخيخ الدروع الحديدية للدبابات والمصفحات، ولا تؤثر فقط على الأجهزة وأدوات الحرب، إنما تؤدي إلى دمار هائل في الجسد البشري، إذ تؤثر الإشعاعات الخاصة بها على الأداء الطبيعي للكلى والدماغ والكبد والعديد من الأجهزة الداخلية للإنسان.
المؤلم جدا في الأمر أن الأثر السلبي للقذائف التي تستخدم اليورانيوم المنضب، لا يتوقف عند حدود من تطلق عليهم، وهم هنا الجيوش الروسية، بل تؤثر كذلك على من يطلقها من الجانب الأوكراني، ما يفيد بالخسائر المزدوجة للطرفين.
هل يأتي إعلان بريطانيا إرسال مليون قذيفة تحتوي على اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا، لتعجل من نقل مستوى الأزمة الروسية – الأوكرانية، من حدود المجابهة التقليدية، إلى مدارات المواجهة النووية؟ الجواب يحتاج إلى مزيد من التحليل، والبداية من عند إرسال البريطانيين دبابات تشالنجر إلى الأوكرانيين، وهذه تم الإعلان عنها منذ فترة، مع عدد من دبابات ليوبارد الألمانية، وأبرامز الأميركية. هنا، وحال فعلتها بريطانيا، فإنها ستزود دباباتها بقذائف اليورانيوم المنضب، ما يعني أن الخسائر التي ستحدث في الجانب الروسي، ستضحى مضاعفة مرات عديدة على صعيد الحجر والبشر. 
من الواضح أن هناك من يدفع لجهة نقطة اللاعودة، لا سيما من الجانبين الأميركي والبريطاني، مضافا إليهما حديثا كندا، وهو ما ينذر بخطر داهم قائم وقادم.
يوارنيوم منضب، معناه أن الروس لن يقفوا مكتوفي الأيدي، وهم أصحاب أكبر ترسانة نووية، وصواريخ فرط صوتية، وربما هناك ما لا نعلم عن مكتشفاتهم ومخترعاتهم، تلك التي تضمن لهم عدم الهزيمة في مواجهة أوكرانيا أو غيرها.
ليس سرا القول إن الروس مأزومون، سواء على صعيد الاقتصاد، أو العتاد والأسلحة التقليدية، ودخول القذائف البريطانية ذات الأثر النووي، أمر سيخلف وراءه خسائر فادحة.
الرد الروسي جاء سريعا، غاضبا ومهددا، وغالب الظن، مستعدا لأن يوفي بما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أنه: "إذا أرسلت المملكة المتحدة قذائف مصنوعة من اليورانيوم المستنفذ إلى أوكرانيا، فإن روسيا ستضطر للرد".
كلمات بوتين تحمل اتهاما واضحا للغرب بنشر أسلحة تحمل مكونا نوويا، ما يعني أن الرد سيأتي بنفس الصورة، وقد كثر الحديث مسبقا عن إمكانية لجوء موسكو لأسلحة الميني نووي، قبل الوصول إلى الطامة الكبرى. 
المثير في فتنة اليورانيوم المنضب، أن الرفض لاستخدامه لم يتوقف عند حدود الروس فقط، بل امتد كذلك إلى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، والذي صرح في مؤتمر صحافي له مع بوتين بالقول: "إذا حدث كل هذا فسيتعين على روسيا الرد وفقا لذلك، مع الأخذ في الاعتبار أن الغرب بدأ جماعيا استخدام أسلحة بها مكون نووي".
من موسكو إلى بكين.. الرد على فتنة اليورانيوم المنضب حاضرة، فيما أمن وسلام العالم مهدد.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية