القاهرة عاصمة ام  الدنيا.. رمضان فيها يختلف عن كل عواصم العالم فهي المدينة التي لا تنام..اهلها يغنون لها (بنت المعز القاهرة حتى الصباح ساهرة) تزينها مساجد ال البيت التي يقصدها الزائرون في الشهر الكريم من كل فج في بقاعها, لترتاح قلوبهم وتهدأ سريرتهم فى جو روحاني يصعد بك الي عنان السماء .. وعلى الجانب الآخر اناس يتحركون جيئة وذهابا والمواصلات العامة تلف عجلاتها لتنقل ركابها ايا كانت وجهتهم  بعد ان قضوا ليلتهم الرمضاية فى شوارعها وحدائقها و مطاعمهما  المفتوحة ريثما ينطلق اذان الفجرعبر الاذاعة الوطنية, فتغلق جميعها وتتوقف الحركة حتي الصباح ولا عجب فهذه هي القاهرة بجمالها وتنوعاتها التي تجذب الناظرين.
علي مر السنين ينطلق اذان الفجرفى رمضان عبر الاثير من مسجد الامام الحسين اوالسيدة زينب اوالسيدة عائشة او السيدة نفيسة, الذين استنارت القاهرة بهم فوضعت اسماءهم جميعا على اكبر احيائها واكثرها عبقا..وما ان تطأ قدماك اي منها, الا وتجد نفسك  منجذبا الي عالم الصفاء الروحاني فينشرح  صدرك فى حضرة الطاهرين ومعية الصالحين احفاد سيد الخلق اجمعين  فتجد لسانك ينطق بتلقائية (مدد ياست .. مدد ياسيدنا).. فمع ابتهالات النقشبندي, واذان الفجر بصوت قامات المقرئين.. محمد رفعت ومصطفي اسماعيل وعبد الباسط والشعشاعي والمنشاوي ومن ورثهم فى هذا الشرف العظيم حتي يومنا هذا تشعر ان الشهر الكريم له مذاق خاص واحساس مميز. 
 لكن على بعد عدة كيلومترات من القاهرة اناس اخرون فى القري والمدن الصغيرة يستقبلون رمضان على طريقتهم الريفية حيث العوائل والزيارات واللمة  والفرحة , لكن المقاهي حاضرة والسهر حتي الفجر سمة تجمع كل المصريين فى رمضان,  اما مقهى ابو شبانه بمنية النصر التابعة لمدينة المنصورة شمال غربي القاهرة فهي  نموذج يختلف كثيرا عن مقاهي المحروسة,  فراعيها كان الاستاذ السيد شبانه  فى الصباح هو مدرس اول المواد الاجتماعية والجغرافيا فى المدرسة الثانوية,وفي المساء  مديرا  للمقهي الذي  ورثه مع اخوته.. يحمل صينية الشاي  والقهوة  لزبائنه فى تواضع شديد  وابتسامة لا تفارق وجهه ليظل اسم الاب حاضرا. 
نموذج  للمعلم الحق ,اخلص لمهنته وامن برسالته.. تخرج على يديه اطباء ومهندسين ومعلمين كثر .. حفظنا ونحن صغار تاريخ وجغرافية الجزيرة العربية عن ظهر قلب  فما من مدينة او بئر نفط او غاز فى اي دولة خليجية الا وعرفاه اسما وحجما .فالمناهج التعليمية كانت عروبية قومية اكثر منها محلية. 
امتلك مستر شبانة -رحمه الله-  ملكات التدريس الممتاز بخبرته وذكائه الفطري  ,اسلوب في العرض وتقديم ميسر للمعلومة معتمدا على التفاعل الذي  يهتم ببناء شخصية الطالب قبل حشو ذهنه بالمعلومات  ,اسلوب اضحى خبراء التعليم الان  يجمعون  عليه.. مارسه شبانة قبل ان تظهر معايير جودة التدريس ...  

اما مقهى ابو شبانه فكانت مجالا موازيا للنادي الرسمي للقرية يتوجه اليها الشباب الكبار بعد صلاة التراويح ..فاذا ماسحبت كرسي وجلست امام فنائها لادركت موقعها  الفريد القريب من  البحر ..امامك حديقه ادارة الكباري.. المارة من امامك من كل شكل ولون جاءوا من البلاد المجارة ليقضوا مصالحهم  منظر  فريد وانت جالس  مع رفقاء السن والتعليم  تشاهد فيها جماعات صداقة  اخرى موازية  لما  هو موجود الان في الفيسبوك وشبكات التواصل الاجتماعي.
فلم يكن مقهى ابو شبانه مقهى تقليدي ,انما هو اقرب الى نادي ثقافي له هويه خاصه, تكونت عبر سنين ,حيث كان والدهم اول من استقدم فى مقهاه الراديو الترانزستور في الخمسينيات الذي  كان وسيلة اعلام القرية , يجتمع الناس حوله وهو معلق داخل صندوق خشبي على جدار المقهي ليستمعون الي "الست"ام كلثوم فى حفلاتها الشهرية وهي تشدو بصوتها العذب اغاني فكروني والحب كله والاطلال وغيرها ويتابعون اخبار الحروب ومفاوضات الاستقلال واحداث ثورة  1952 ويحتشدون لسماع خطابات عبد الناصر الشهيرة التي كان يتابعها الملايين فى كل الاقطار العربية. فقد  كانت المقهي مجالا للتواصل وتثقيف العامة .
  لكن مع انتشار شبكات التواصل باتت هذه العلاقات منقطعة والتواصل مفقودا,بل وخلقت  حاله من الاستقطاب ,فيها اضحت العزلة مرضا مزمنا, فقد انغلق  افراد  كل مجموعة على بعضهم البعض وهو ما جعلها  تحيد عن هدفها الاساسي , فاصبحت وسائل للتشكيك و التشهير واختلاق الاخبار.
   فاذا كانت شبكات التواصل ومقاهي الانترنت والمنتديات الالكترونية قد ادت الى زيادة التعصب والانفعال والتطرف الفكري داخل المجتمعات,  فإن مقهى ابو شبانه  وما شابهها كانت نموذجا للانخراط الاجتماعي والتواصل بين الناس, ولذا فالامر يحتاج وقفه للتقييم  حتي يعود التواصل وتسود  ثقافة التسامح فى الشهر الكريم.