العدد 5237
الأربعاء 15 فبراير 2023
banner
فضاءات لغوية رضي السماك
رضي السماك
الحداثة الممكنة لرضوى عاشور
الأربعاء 15 فبراير 2023


نعود لكتاب استاذة الأدب الأنجليزي بجامعة عين شمس والناقدة والروائية المصرية الراحلة الدكتورة رضوى عاشور" الحداثة الممكنة .. الشدياق والساق على الساق الرواية الأولى في الأدب العربي" الصادرة طبعته الأولى في القاهرة عن دار الشروق 2008. فقد عنيت في مؤلفها هذا التأكيد على أن الرواية الأولى في تاريخ الأدب العربي الحديث إنما تتمثل في كتاب الأديب والعالم اللغوي الكبير والصحفي اللبناني أحمد فارس الشدياق " الساق على الساق في ما هو الفارياق" الصادر في باريس 1855ووُلد مؤلفه في لبنان عام 1801، لكنه عاش الشطر الأعظم من حياته في المهجر وتوفي في أسطنبول بتركيا سنة 1887. وهي في ذلك تستعرض بالتحليل والتفنيد كل الآراء التي نسبت ريادة الرواية الأولى للمؤلفات الروائية أو شبه الروائية التي جاءت بعد كتابه الفائت الذكر، ومنها : "وي … إذن لست بأفرنجي" لخليل أفندي الخوري الصادرة 1859، و" غادة  الزاهرة" لزينب فواز 1899، و" الهيام  في جنان الشام" لسليم البستاني الصادرة 1870،  و" زينب " 1914 لمحمد حسين هيكل،  و"غابة الحق" في 1865 لفرانسيس مرّاش. ووفق رأي عاشور فإن شرط كتابة الرواية يفترض القطيعة مع الموروث والكتابة وفق النموذج الاوروبي. 
ومع أن المؤلفة حاولت أن تأكد ليس غرضها من هذا الكتاب التأكيد بأن الشدياق هو صاجب الريادة العربية الأولى في كتابة الرواية إلا أن عنوان كتابها يدحض ذلك، على أنها عنيت أيضاً بريادة الشدياق في مجالات أدبية وثقافية وفنية وصحفية عديدة لم ينازعه أحد فيها خلال عصر النهضة في القرن التاسع عشر ميلادي. كما عنيت المؤلفة بما كان يقصد الشدياق  من عنوان كتابه، وتعددت التفاسير حول بما هو المقصود بعنوان الكتاب : فمعنى الساق لا ينصرف فقط لساق الإنسان، بل ساق الحمام أيضاً فوق الغصن ينادي أنثاه. ومن معاني الساق: الأمر الشديد القاسي، فإذا قيل ساق على ساق فذلك يعني شدة على شدة. وفي سورة القيامة " والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق" وجاء من تفاسيرها: اجتمعت الشدائد وألتفت وعظم الأمر وصعب الكرب.  أما "الفارياق"  فهو اسم منحوت من مقطعي اسم الكاتب فارس الشدياق. 
ومع أن العنوان الكامل لمؤلف الشدياق جاء على هذا النحو " كتاب الساق على الساق في ما هو الفارياق أو أيام وشهور وأعوام في عجم العرب والأعجام" إلا أنني لم أجد في حدود اطلاعاتي من أهتم بالجزء الثاني من هذا العنوان " … أو أيام وشهور وأعوام في عجم العرب والأعجام". وقد أستمر المؤلف في تأليف كتابه من 1853 إلى 1855 سنة صدوره في باريس وهو في حال من ضنك المعيشة الشديد. 
وهو في كتابه يحاور الإصلاحي التنويري الشيخ رفاعة الطهطاوي، بل يسخر من إعجابه بالمستشرق الفرنسي سيلفستر دي ساسي. وبعد أن كان أحمد فارس الشدياق مبعث أهتمام الباحثين المهتمين برواد عصر النهضة العربية حتى الثلث الأول من القرن الماضي، توارى هذا الأهتمام حتى العقد الأخير، ما خلا استثناءات محدودة. أما من أبرز من أعادوا الأعتبار إليه في أواخر القرن الآفل  : عماد الصلح في كتابه " أحمد فارس الشدياق.. آثاره وعصره" وفواز طرابلسي وعزيز العظمة في مؤلفهما المشترك" أحمد فارس الشدياق مختارات من أعماله" وفي مقدمتهما لهذا الكتاب لم يجافيا الحقيقة في القول :
" يحتل أحمد فارس الشدياق موقعاً متفرداً بين رجالات النهضة العربية الحديثة ، ولا مبالغة في القول إننا ندين له بمعظم ما هو حي وجديد في لغتنا والأدب في القرن التاسع عشر. الشدياق اللغوي نقد" القاموس المحيط" للفيروز آبادي  … وأبان فيه أربعاً وعشرين مثلبة. وأختاره لغويو مصر لتقديم " لسان العرب" لابن منظور في طبعة بولاق الشهيرة 1838. وكانت له حوارات شهيرة في اللغة مع أنصاره وخصومات وسجالات في هذا الحقل . على أن الشدياق خلافا للكثير من اللغويين، لم يكتف بسبر أعماق اللغة وبيان أسرارها، بل كان رائداً في تجديدها". وهذا ما سنتناوله في حديثنا القادم. 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .