من الأمور اللافتة عند حدوث كوارث وأزمات مؤلمة، خروج بعض الكتابات والتغريدات التي لم يكن يعرف بها الكثيرون ـ عن توقع هذه الأحداث قبل وقوعها بفترة ومن ثم تكتسب هذه الكتابات وأصحابها شهرة واسعة، ويكونون محط أنظار واهتمام الناس ربما أكثر من الحدث نفسه، رغم أن هذه التوقعات في كثير من الأحيان تقتطع من سياقها الأصلي ويتم تركيبها قسرًا على الحدث، أو أنها تحمل عبارات وكلمات فضفاضة يمكن إنزالها وتطبيقها على أحداث كثيرة.
فوسط الكارثة الإنسانية التي خلفها الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا مؤخرا وتسبب في دمار بشري ومادي هائل، أعاد بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تداول مقطع فيديو بث قبل شهرين توقع فيه حدوث هذا الزلزال.
غير أن الذي اكتسب شهرة أكبر وأخذ رواجًا واسعًا بين مختلف الأوساط العلمية وغير العلمية تغريدة الباحث الجيولوجي الهولندي فرانك هوجربتس الذي يعمل بمعهد SSGEOS للأبحاث المتخصص في ربط الظواهر الشمسية بالنشاط الزلزالي، حيث غرد على تويتر قبل فترة وجيزة من وقوع الزلزال بأن هناك زلزالا قادماً في هذه المنطقة وسيضرب عدة دول، قائلا: “عاجلا أو آجلا سيقع زلزال بقوة 7.5 على مقياس ريختر في هذه المنطقة (جنوب أو وسط تركيا، الأردن، سوريا، لبنان)”.
بالنسبة للمعنيين، فإن ما قاله هوجربتس ليس جديدًا أو تنبؤًا بالمعنى المفهوم، كون تركيا ومنطقة الشرق الأوسط عمومًا من المناطق المحتملة لوقوع الزلازل، دون أن يعرف أحد توقيت حدوثها بمن فيهم هوجربتس نفسه الذي اكتفى بالقول “عاجلا أو آجلا”، وهذا أمر طبيعي. هذا الباحث نفسه سبق وأن نشر العديد من التنبؤات بحدوث زلازل في مناطق معينة ولم تتحقق، والمؤسسة البحثية التي يعمل فيها تنبأت أيضًا بوقوع العديد من الزلازل في السنوات الماضية، ولم يقع إلا عدد قليل جدا منها.
علميًا، فإن السواد الأعظم من العلماء والباحثين والمراكز الجيولوجية يؤكدون استحالة توقع نشاط زلزالي بشكل دقيق، وأيّة إمكانية لتنبؤ مواعد الهزات الأرضية، وأن أقصى ما يمكن هو توقع لمدة لا تزيد عن دقيقة أو دقيقة ونصف، وبتكنولوجيا باهظة الثمن، تُستخدم في اليابان.
*كاتب مصري متخصص في الشؤون الدولية