لا أعرف ما هي حرية التعبير في تلك التصرفات الحمقاء والأعمال الإجرامية والممارسات الخطيرة وآخرها ما قام به هذا السويدي المتطرف راسموس بالودان وهو يحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في ستوكهولم وسط حماية أمنية مشددة، فهل فعل الحرق وما يحمله من معان يعد تعبيرًا عن رأي؟ أم سلوكًا عدائيًا موجهًا يستحق فاعله العقاب والحساب، ولاسيما أن الفاعل هنا معروف بتطرفه ونواياه الاستفزازية والعدائية ضد المسلمين، وسبق أن تسبب في توتر الأجواء واندلاع أعمال شغب، إثر إعلانه في أبريل من العام الماضي أنه سيقوم بإحراق نسخ من المصحف في الأحياء التي تقطنها نسبة عالية من المسلمين.
من بين كثير البيانات الصادرة عن دول العالم، لفتت انتباهي إدانة الولايات المتحدة الأميركية للواقعة، إذ أكد نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأميركية أن حرق كتب تعد مقدسة للكثيرين هو عمل مهين للغاية، وأمر بغيض، ومثير للاشمئزاز وكريه. بالفعل هو عمل مهين لكنه مهين لفاعله ومهين لما يدافعون عنه ويتشدقون بالحفاظ عليه ويطلقون عليه حرية الرأي والتعبير ويسيء إليها، لكنه ليس مهينا أبدًا للمصحف الشريف، بل يؤكد القيمة الكبيرة لهذا المصحف والإدراك بأنه يحمل مقومات التفوق والتقدم لكل من يتمسك به ويعمل بما فيه، فمثل هذا الأحمق لن يلجأ إلى كتاب ليست له قيمه لتوجيه رسائله السياسية وأفكاره العنصرية وسلوكياته الهمجية، لكنه يدرك القرآن وأهميته سواء لتركيا هدف رسالته المباشرة أو للمسلمين عمومًا.
هذه الواقعة البغيضة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة بطبيعة الحال، بل وتبعها تصرف مماثل بقيام أحد المتطرفين بتمزيق نسخة من المصحف الشريف في مدينة لاهاي الهولندية، ولن تتوقف مثل هذه الأعمال المتطرفة بما يصدر من بيانات هنا وهناك، بل باتخاذ خطوات وردود فعل عملية أهمها ما ألمح إليه رئيس وزراء السويد أولف كريسترسون نفسه دون قصد عندما ذكر أن “حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية، لكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أن يكون ملائما”، فلماذا لا يكون كل قانوني ملائمًا كي تستقيم حرية الرأي والتعبير مع ما كل هو إيجابي وجميل.
*كاتب مصري متخصص في الشؤون الدولية