“ببساطة... لم تعد لديّ طاقة كافية للاستمرار في السلطة أربع سنين إضافية”، بهذه الكلمات البسيطة واضحة الإفادة، أعلنت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن - وهي واحدة من أصغر رئيسات الحكومات في العالم (42 عامًا) - أنها ستتنحى عن منصبها بحلول 7 فبراير 2023.
من اللقطات التي يتذكرها الكثيرون لهذه السيدة، اصطحابها طفلتها الرضيعة وهي تلقي كلمة بلادها أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 2018 (عقب توليها رئاسة الوزراء بعام واحد)، في مشهد معبر عن تمسكها بوظيفتها الأولى كأم (وتحرص على إرضاع طفلتها رضاعة طبيعية ورعايتها)، فكانت أول زعيمة تحضر اجتماعًا مع طفل. وآثار هذا المشهد إعجاب ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، حيث صرح آنذاك قائلًا: إن رئيسة الوزراء أرديرن أثبتت أنه لا يوجد من يمثل بلادها في الأمم المتحدة أفضل منها كأم عاملة”. هذا المشهد أيضًا ربما كان يشير وينبئ بصعوبة قدرتها على الاستمرار في منصبها لسنوات طويلة لأننا إزاء شخصية تدرك معنى المسؤولية والواجب، وهو ما يتضح من قولها عند حديثها عن تنحيها مؤخرًا “مع تولي مثل هذا الدور المتميز تأتي المسؤولية، بما في ذلك مسؤولية معرفة متى تكون الشخص المناسب للقيادة، وأيضا عندما لا تكون كذلك”.
معنى ذلك أن قرار تنحيها كان قرارًا داخليًا صرفًا، ولم يكن مفروضًا عليها من الخارج أو لفشل في معالجة قضايا معينة، بل إنها جعلت بلادها من أكثر البلدان سعادة في العالم وواجهت أحداثًا كبيرة أهمها جائحة كورونا وما تلاها من ركود اقتصادي، ومذبحة مسجدي كرايستشيرش، وثوران بركان وايت آيلاند، كما أنها تعد من بين الشخصيات القيادية البارزة عالميا، وتدرجها مجلة “تايم” على قائمتها لأكثر 100 شخص تأثيرا على مستوى العالم، لكنها كما قالت وبعد أن أخذت وقتًا للتفكير “كنت آمل أن أجد ما أحتاجه للاستمرار خلال تلك الفترة، لكن للأسف لم أجده، ولن يعود استمراري بالنفع على نيوزيلندا.”
* كاتب مصري متخصص في الشؤون الدولية