العدد 5138
الثلاثاء 08 نوفمبر 2022
banner
الفن وما أدراك ما الفن! أهو تسلية أم نشاط اقتصادي متكامل ومتنامٍ؟
الثلاثاء 08 نوفمبر 2022

عندما يجلس الإنسان ويشاهد فيلما أو مسلسلا أو مسرحية أو حتى عندما يستمع إلى أغنية ما، حينها فإنه يقضي وقتا للترفيه والتسلية. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو “هل حقا أن القيام بمثل هذه الأنشطة يعد ترفيهاً وتسلية أم هو أكثر بكثير من ذلك؟”. فكلما تعمقت في هذا النشاط أدركت جيدا أن الفن بأشكاله المختلفة يعد بالفعل نشاطا اقتصاديا متكاملا ومتناميا ومنتشرا بشكل كبير في مختلف دول العالم. وتندرج تحت الفن قائمة طويلة جدا من المهن في عدد من القطاعات الاقتصادية المختلفة، ولن أتمكن هنا من ذكر جميع هذه المهن أو القطاعات الاقتصادية ذات الارتباط بالفن، ولكنني سأحاول التطرق لأكبر وأهم هذه المهن، حيث يندرج تحت لواء الفن كل من الغناء والتمثيل والتصوير والرسم والنحت والإخراج والإنتاج والديكور والترجمة لهذه الأعمال الفنية إلى لغات مختلفة وكتابة القصص والشعر، كما تندرج العقارات والمواقع التي يتم فيها التصوير أو المسارح التي يتم فيها الغناء أو عرض المسرحيات. وهنا يجب علينا ألا ننسى دور التعليم وخصوصا التعليم العالي لتهيئة محبي هذه المهن من الناحية العلمية والأكاديمية. كل ما تم ذكره أعلاه يعد أكبر برهان يثبت لنا بأن كل هذه الأنشطة تعد جزءًا لا يتجزأ من نشاط اقتصادي متكامل ومتنامٍ، والذي أعتقد بأن الاستثمار فيه عالميا يفوق في حجمه مئات المليارات من الدولارات. 
وكما نعلم، فإن الفن بأشكاله المختلفة يمثل جزءا مهما من الحضارات والثقافات المتعاقبة عبر العصور، وهو منتشر في كافة بقاع الأرض. وحتى في يومنا هذا، فإن اتفاقيات العلاقة بين الدول عادة ما تحتوي على اتفاقية للتبادل الثقافي. 
ومن الجلي لنا بأن الفن قد تحول عبر الزمن من هواية للتسلية والترفيه إلى حرفة أو مهنة، وكما لا يخفى على الجميع بأن هذا التحول قد فتح مجالا واسعا للكثيرين لامتهان هذه المهن وبناء مستقبلهم فيها، كما توارث الأبناء امتهان هذه المهن من بعد آبائهم. وتقام سنويا مهرجانات مثل مهرجانات جوائز الأوسكار وإيمي وتوني وغرامي في الولايات المتحدة أو مهرجانات توزيع جوائز الغناء على المستوى الأوروبي ولا ننسى المهرجانات العديدة التي تقام في الدول العربية وعلى رأسها جمهورية مصر العربية لتكريم المميزين في الغناء والموسيقى والتمثيل والاخراج والمسرح وكثيرا من المهن الأخرى التى لها ارتباط وثيق بالفن وكل هذه دلائل على تحول الفن إلى نشاط اقتصادي متنامٍ.
وفي الكثير من دول العالم هنالك مؤشرات خاصة بهذه المهن يتم نشرها بصفة دورية مثلها مثل القطاعات الاقتصادية الأخرى لأهمية هذه المؤشرات لمعرفة نواحي تطورها ونموها. وأهمية هذه المؤشرات لا تقتصر على  متابعة ما يجري لهذه المهن فقط، بل لمعرفة ما قد تستفيده منها القطاعات الاقتصادية الأخرى كالتربية والتعليم والقطاع العقاري، وكافة القطاعات التي قد يحتاج إليها تقديم مثل هذا الفن، كتوفير دور للسينما والمسارح والاستوديوهات لتصوير المشاهد الداخلية بالإضافة إلى الاستثمار في البنى التحتية على سبيل المثال. 
فالسؤال الذي يطرح نفسه هو أين تقف مملكة البحرين من كل هذا النشاط؟ لقد برهنت مملكة البحرين عن إمكانياتها ومنذ زمن طويل، كما أثبت الإنسان البحريني نفسه في معظم المهن التي تندرج تحت سقف الفن، وهناك العديد من الفنانين الذين تفوقوا في العديد من المجالات كالتمثيل والتلحين والغناء والإخراج وكتابة القصص... إلخ من هذه المهن. 
سوف أتجنب ذكر الأسماء هنا سواء على المستوى المحلي والخليجي والعربي؛ لكي لا أنتقص من شأن أو حق أحد منهم. إلا أنه من الملاحظ وخصوصا في الفترة الأخيرة تناقص أعداد البحرينيين مقارنة بقرنائهم في منطقة الخليج العربي ممن نشاهدهم في المسلسلات أو على خشبة المسرح أو نستمع لهم في الغناء. وبالتالي فإنه يستوجب على مملكة البحرين اللحاق بالركب في منطقة الخليج والوطن العربي في هذا المجال ومتابعة هذا النشاط الاقتصادي؛ للتأكد من فاعلية دوره مع القطاعات الأخرى في دفع عجلة الاقتصاد البحريني. ويكون الهدف من كل هذه المتابعة زيادة الأعداد التي تمتهن بهذه المهن وخلق وظائف وحرف جديدة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنه يجب علينا التفكير جديا في إنشاء معاهد في التعليم العالي في مهن مثل الإخراج أو التمثيل أو الغناء، وتشجيع الشباب البحريني مثله مثل الشباب الخليجي والعربي للخوض في مثل هذه المهن. 
إن الفن كنشاط اقتصادي يحتاج إلى التمويل والاستثمار، فخلق وفتح المجال للاستثمار فيه محليا وخليجيا قد يشجع الكثيرين للدخول والعمل فيه؛ للاستفادة من هذا النشاط. كما يجب ألا ننسى أن الخدمات المساندة لمختلف أنواع الفن ستسهم وبصورة لا تقبل للشك بفتح أبواب كثيرة للتوظيف، الأمر الذي سيؤدي لخفض مستويات البطالة. كما يجب علينا في هذه  المملكة الغالية أن ننظر لكافة أنواع الفن كنشاط اقتصادي موحد، وإسناد كافة الجهات المختصة في المملكة والقطاع الخاص في البحرين وفي منطقة الخليج العربي وفي الوطن العربي مهمة العمل على تطويره؛ حتى تستفيد منه مملكة البحرين حالها كحال الكثير من الدول في منطقة الخليج والعالم العربي وباقي دول العالم.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية