العدد 5109
الإثنين 10 أكتوبر 2022
banner
إلغاء الفيزا المرنة.. ضربة مدوية للإقتصاد الخفي
الإثنين 10 أكتوبر 2022

يوم الاثنين الموافق 24 يوليو 2017.. في تمام الساعة الحادية عشرة بتوقيت منطقة سترة الصناعية، صدرت أول بطاقة زرقاء لتصريح العمل المرن إيذانًا بانطلاق حقبة جديدة للعمل والإقامة في مملكة البحرين دون كفيل لأول مرة منذ ستينات القرن المنصرم، العشرات من العمالة غير النظامية “فري فيزا” تدفقوا على مركز هيئة تنظيم سوق العمل في سترة ليصبحوا “فلكسي فيزا”.


سجل المركز في يومه الأول 100 عامل من مختلف الجنسيات ليكونوا قادرين على العمل في أي وظيفة غير مهنية بدوام كامل أو جزئي، ولدى أكثر من صاحب عمل، لمدة سنتين قابلة للتجديد. الباب كان مفتوحا لاستقبال وتسجيل 2,000 عامل شهريا. نظرا للمميزات الكثيرة للعمالة “الفلكسي” تدفق المئات من السائبين ليصبحوا قانونيين، وأصبح بإمكانهم العمل لحسابهم الشخصي أو تقديم خدماتهم لأي صاحب عمل على أساس تعاقدي لأي فترة من الزمن، مع منحهم حرية السفر والعودة طالما كانت إقامتهم صالحة، وسيكون لديهم إقامة خلال فترة سريان التصريح، إضافة إلى تأشيرة متعددة السفرات.


خلال أول عامين ونصف من دخول النظام المرن حيز النفاذ، أصبح في سجلات هيئة تنظيم سوق العمل قرابة 30 ألف عامل مرن، وبعد 5 سنوات من التطبيق، وصل العدد إلى 60 ألف عامل مرن. إجمالي الرسوم للعامل الواحد في عامين لاستصدار تصريح العمل المرن 749 دينارا، موزعة على: تصريح لمدة سنتين 500 دينار، تأمين صحي لمدة سنتين 144 دينارا، تمديد الإقامة مرة واحدة 15 دينارا، وتأمين تذكرة السفر 90 دينارا. مع احتساب 60 ألف عامل مرن يصل مجموع الإيراد المتحقق إلى قرابة 45 مليون دينار.


إشادات دولية بالجملة طالت تصريح العمل المرن من تقارير وزارة الخارجية الأميركية ومنظمة العمل الدولية والمنتدى الاقتصادي العالمي ومنظمة الهجرة الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، إلى درجة أن منظمة الأمم المتحدة خاطبت المملكة لعرض النموذج البحريني وتجربتها الاستثنائية على مستوى المنطقة في مؤتمر دولي.


لم يكن أحد ليتخيل أن يتحول هذا المشروع الذي كان “حلا غير تقليدي لمشكلة غير تقليدية” حسب وصف عرابه أسامة العبسي الرئيس التنفيذي السابق لـ LMRA، والذي تم اعتماده بعد دراسات وبحوث مستفيضة، إلى كابوس يؤرق القطاع الخاص والشوارع التجارية والصناعية والعقارية وغيرها من قطاعات حيوية في المملكة.


مع كل سنة يزداد فيها العمال المرنون في تنقلاتهم ونشاطهم غير المهني، تفاقمت فيها تشوهات سوق العمل ليصبح هنالك سوقان، بيضاء نظامية وسوداء خفية امتزاجهما تسبّب في تصدّع ترس عجلة الاقتصاد الوطني. فقد وصل إجمالي العمالة غير النظامية مع العمالة المرنة مجتمعين إلى ما يقارب الـ 100 ألف عامل أجنبي، رقم كبير بالنسبة لسوق صغيرة، له ثقله السلبي على الأفراد والمؤسسات على السواء من حيث فرص الأعمال والوظائف المتاحة للعمالة الوطنية حتى وإن كانت في قطاعات غير مهنية.


تفشت ظاهرة “مضحكة مبكية” مع انتشار من يدّعون امتهان كل شيء ومعرفة خفايا الأمور وظواهرها في كل الوظائف، إجابتهم على أي سؤال أو طلب خدمة عبارة مبتذلة أصبحت أشهر من النار على العلم هي “فيه معلوم” في كل شيء تقريبًا، وما أكثرهم في عالم المقاولات على وجه التحديد، والذي قد يكون، إن لم يكن بإجماع الكثيرين، أكثر القطاعات تشوها وتضررا من نظام الفيزا المرنة، وهذا ما أكدته جمعية المقاولين البحرينية في تضرر أكثر من 2,000 سجل مقاولات يملكها بحرينيون من الفلكسي فيزا.


ثمة دراسة أعدتها غرفة تجارة وصناعة البحرين في العام 2020 أكدت بلغة الأرقام تكبّد الاقتصاد الوطني خسائر تقدر بـ أكثر من 100.7 مليون دينار سنويا بسبب التصريح المرن، وتفوق خسائره على التأمينات الاجتماعية الـ 8 ملايين دينار، وتقدّر خسائره بالنسبة لضريبة القيمة المضافة 76.6 مليون دينار، فيما تقدر خسائر هيئة تنظيم سوق العمل بأكثر من 16 مليون دينار سنويًا.


وألمحت الدراسة ذاتها إلى أن نظام تصريح العمل المرن لم يسهم في حل مشكلة العمالة غير النظامية، خصوصا أن عدد تلك العمالة ارتفع من 82 ألف عامل في 2017، إلى 84 ألف عامل في 2019، ما يشير إلى عدم جدوى نظام تصريح العمل المرن في وقف تزايد العمالة غير النظامية.


كما تعتبر خدمات الفيزا المرنة أرخص بنسبة 40 % ممن لديه سجل والتزامات مالية وضريبة القيمة المضافة، ما وضع المؤسسات التجارية وبخاصة الصغيرة والمتوسطة منها في مأزق بفقدانها لعنصري التنافسية والاستدامة في نماذج أعمالها المتضررة أصلا من تكبد رسوم ومصروفات تشغيلية عدة وغيرها من استحقاقات مالية وظروف غير مواتية في السوق. كما شجعت الفيزا المرنة العامل النظامي على ترك عمله لدى التاجر أو رب العمل البحريني بمغريات الاستقلالية وحرية التنقل والعمل وقتما يشاء وكيفما يرغب، وهذا ما حصل مع الكثير من التجار بمختلف القطاعات.


مع النمو الكبير في العمالة الوافدة، قد يتفوق الاقتصاد الخفي على الاقتصاد الرسمي بحجمه ونموه. كما تفوق التحويلات المالية للعمالة الأجنبية لخارج البحرين المليار دينار، وهو ما يتجاوز ما يتم الحصول عليه من الفيزا المرنة، ناهيك عن ممارسة الكثير منهم لأعمال وتجارة غير مشروعة بحريّة تكاد تكون مطلقة، وما قرار ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة إلا عملية تجميلية طارئة جاءت في وقتها المناسب لعلاج التشوهات التي أصابت سوق العمل واستئصال ما كان يوصف بالنظام المرن واتضح لاحقًا بأنه فوضوي وغير صحي اقتصاديا.


قد يكون رئيس بيت التجار سمير ناس “بو بشار” أكبر المنتصرين من معركة “الفيزا المرنة” التي شنّها منذ ما يقارب الخمس سنوات. كيف لا وأحد أبرز ملفات كتلة (تجار 22) قد تحقق خلال 6 أشهر فقط من اكتساح الكتلة لانتخابات غرفة البحرين منذ 20 مارس الماضي والمتمثل بإلغاء تصريح العمل المرن، والذي وصفه بأشنع الألقاب أكثر من مرة أبرزها “البلاء” على الاقتصاد الوطني.


“بشارة” سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لـ “بو بشار” وللشارع التجاري والقطاع الخاص في العموم أثلجت صدور كثيرين ممن اكتووا بنيران “الفلكسي فيزا”، لتعود المنافسة والعدالة والاستدامة إلى التكافؤ بين التجار والعمالة النظامية بما يتسق مع مبادئ ومرتكزات رؤية البحرين الاقتصادية للعام 2030، وهي خطوة ضخمة تضمن انتصار الاقتصاد النظامي على الاقتصاد الخفي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .