العدد 5090
الأربعاء 21 سبتمبر 2022
banner
الحروب المعرفية ووسائط التواصل الاجتماعية
الأربعاء 21 سبتمبر 2022

هل لا تزال المعارك بين الدول قائمة على عمل عضلي أكبر وعقلي أقل، أم أن حروب الأجيال المعاصرة، باتت تتجاوز النسق التقليدي للقوة الخشنة، ودخل العالم من أسف، في مرحلة تالية من موجات الحروب المعرفية، تلك التي لم تعهدها البشرية من قبل؟ التساؤل السابق مرده ما يحدث مؤخرا حول العالم، من تحولات وتبدلات في شكل الصراعات التقليدية، والولوج إلى منطقة الحروب المغايرة، لاسيما ما يعرف بحروب الجيل الرابع والخامس وما بعدهما من حروب ما أنزل الله بها من سلطان.
ولعل المسطح المتاح للكتابة يضيق عن العرض والسرد، غير أن ما نود أن نلفت إليه الانتباه في هذا الإطار، هو الخطورة الحقيقية التي باتت تمثلها وسائط التواصل الاجتماعي، وكيف أنها معين لا ينضب من المعلومات، تلك السلعة التي تمثل وقود المعارك المستقبلية وليس البارود. فرحت البشرية أيما فرح ولا تزال، بفكرة الوصل بين شعوب العالم، من أقصى الشرق إلى الغرب، وبين أجناس وأعراق، أديان ومذاهب متباينة، وهذا قد يكون جميلا في شكله، لكن في موضوعه أمر مختلف. 
ليس مجانا قدمت تلك الابتكارات للبشرية، وحتى في أفضل أنواع حسن النية، ربما خطرت على عقول بشرية لأهداف التسلية كما الحال مع الفيسبوك، غير أن فكرة الإنترنت في أصلها ومنشأها، ليست سوى أول آلية لوزارة الدفاع الأميركية، لتبادل المعلومات داخليا، وعلى أعلى مستوى من المهارة والسرية في آن معا. ولعل المتابع لبعض تلك الوسائط، لاسيما تويتر، يكاد يستشعر قلقا بعينه هذه الأيام، ومرجع الأمر، تلك الدعوات الخبيثة التي تعاود الصعود مرة أخرى، داعية لتخريب الأوطان، وإعادة الكرة من جديد، كرة العبث والفوضى التي عرفتها مواقع ومواضع جغرافية حول العالم، في العقد الماضي.
هل من يقف وراء تلك الصيحات المستنكرة؟ لابد أن يكون ذلك كذلك، فما من شيء يحدث في فراغ أممي، بل هناك من يرسم مخططات استراتيجية، لاسيما من جانب الدول الكبرى، ويسعى إلى تفعيلها، وله في ذلك عدة طرق. في البداية تبدو الخطوط المستقيمة ماضية قدما، أي الهجوم المباشر، ومحاولة إصابة قلب الهدف، مرة وإلى الأبد، غير أنه في بعض الأحايين، يفشل الطريق الأول، غير أن الهدف يبقى كما هو، من غير تعديل أو تبديل جوهري، وجل ما يحدث هو الالتفاف من حول التضاريس، وهذا ما تقوم به الكتائب المعرفية الإلكترونية. 
مؤخرا بدأ المشتغلون بوسائل الإعلام، يستمعون إلى تعبير مثير وخطير في ذات الوقت، "الأخبار الكاذبة"، والتي تعني المحاولات المضنية من قبل جماعات بعينها على تزييف الواقع، وعكس مسارات الحقيقية. 
إلا أن ما وراء تلك الأخبار، يقودنا إلى مرحلة من مراحل الحروب المعرفية المحدثة، تلك التي تسعى للتلاعب بالعقول، عبر إعادة برمجتها، وكما يتفق مع خطط المخططين، ومؤامرات المتآمرين.
الهدف الحقيقي من تلك الموجات المعرفية القاتلة محاولة إلباس الباطل ثوب الحق، والعزف على أوتار الجهلاء والدهماء، وإدخال الأوطان في موجات من الكراهية الداخلية، ومن ثم المقابلات الفكرية، وأخيرا اللجوء إلى العنف والاحتراب الأهلي، والتحول من ثم من الدولة الرخوة، إلى الدولة الفاشلة التي حدثنا عنها عالم الاجتماع السويدي الشهير "جوتار ميرولا".
حديث الحروب المعرفية بحاجة إلى دراسات مطولة قائمة بذاتها، وهذه الكلمات فقط من قبيل التحذير من الأسوأ الذي لم يأت بعد، وقانا الله وإياكم شرور المستقبل وخفايا الزمان.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .