منذ بدء انطلاقة البرنامج النووي الإيراني، والتصريحات لا تنقطع من قبل نظام الملالي بشأن سلمية هذا البرنامج، وكيف أنه مسخر لخدمة الأهداف المدنية السلمية، ومن أجل زيادة قدرات الدولة على توليد الكهرباء اللازمة للصناعات الداخلية، ولاستنهاض قوى البلاد والعباد.. هذه التصريحات لم تنطل على أحد في واقع الحال، لاسيما أن الجميع، من مشارق الأرض إلى مغاربها يعلم تمام العلم نوايا إيران الحقيقية، ورغبتها في بسط سيطرتها على كل ربوع الإقليم من جهة، وعلى العالم الخارجي من جهة أخرى.
ولعل الإشكالية الحقيقية التي لا تجعل أحدا يثق في النظام الإيراني، تتمثل في أنه وبعد أكثر من أربعة عقود من عودة الخميني، وإشعال نيران الراديكالية في المنطقة، لا تزال إيران غير قادرة على تحديد هويتها، وما إذا كانت دولة بالمعنى المبني الويستفالي المتفق عليه دوليا، أي دولة تحترم حدود واستقلالية الدول المجاورة لها، أم أنها ثورة تريد أن تشعلها في من حولها يوما تلو الآخر، الأمر الذي لا يجعل منها محل ثقة في الحال أو الاستقبال.
ولعل هذه الأيام التي تعطل فيها من جديد الحديث عن خطة العمل المشتركة، أو الاتفاقية النووية الجديدة، مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، بدت وكأنها موعد انكشاف المستور من السر الإيراني، وافتضاح نواياها التي لطالما دارتها ووارتها عن العالم، وغاب عنها أن ما يقال سرا في المخادع اليوم، سينادى به غدا من فوق السطوح.
قبل نحو أسبوع كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تصرح بأنها لا تستطيع "ضمان سلمية حصرية للبرنامج النووي الإيراني"، وذلك بعد رفض طهران الرد على مسألة المواقع غير المعلنة، والتي يشتبه أنها شهدت أنشطة غير مصرح بها.. المدير العام للوكالة رافائيل غروسي، وفي تقرير شامل نشر قبل أيام من انعقاد مجلس محافظي الوكالة قال إنه يشعر "بقلق متزايد".. ترى ما السبب؟
القصة باختصار غير مخل، تتمثل في أن الوكالة اكتشفت وجود آثار يورانيوم مخصب في ثلاثة مواقع إيرانية غير معلن عنها ضمن الخارطة الإيرانية الرسمية لبرنامجها النووي، ما يعني أن هناك كواليس لهذا البرنامج، لا تتسق وتصريحاتها الرسمية بخصوص الاستخدامات السلمية لمفاعلاتها.
إيران ترفض رفضا قاطعا فكرة التفتيش في تلك المواقع، وتضع شرطا مهما للتوصل إلى اتفاقية جديدة يتمثل في ضمان إنهاء المطالبة بفتح منشآت غير معلن عنها.
مثير جدا الشأن الإيراني، فقد قبلت طهران أن يظل حرسها الثوري ضمن نطاق المنظمات الإرهابية، لكنها لم تقبل أن يعاد التفتيش في منشآت خافية عن أعين مفتشي الوكالة، ما يوضح بجلاء أن هناك ما تخفيه طهران عن العالم، وإن كان الجميع يدرك حقيقة ما يجري.
ما الذي تبغيه قيادات إيران في الآونة الأخيرة؟
من الواضح جدا أنها تراهن على انتخابات التجديد النصفي القادمة في الولايات المتحدة الأميركية، وتتطلع إلى هزيمة قاسية لحزب الرئيس الديمقراطي، الأمر الذي يجعل من سيد البيت الأبيض، قصبة تهزها الريح، وبذلك يمكن لطهران أن تفرض شروطها، حال رغب الرئيس بايدن في تحسين موقفه في عيون الأميركيين، حال صمم بالفعل على المضي قدما في طريق ترشيح نفسه لرئاسة أميركية ثانية عام 2024.
إيران وبحسب غروسي، واصلت تخزين اليورانيوم المخصب، حتى بات مخزونها الآن يتجاوز بأكثر من 19 مرة الحد المسموح به بموجب الاتفاق الدولي في 2015.
إيران لن تتراجع عن هدفها النووي، وعلى دول المنطقة البحث في سبل الحفاظ على أمنها القومي.