+A
A-

فارس العلي.. مأساة طالب طب سوري عاد "بنعشه" من تركيا

دخل عام 2012 إلى تركيا، مع أمه وإخوته الخمسة، بعد مقتل والده في سوريا. ما لبث أن انتقل للدراسة في "قرية الأيتام". تفوّق واجتهد، ليطرق أبواب كلية الطب في جامعة "باليكيسر" بعمر السابعة عشرة.. لكن وقبل أن يبدأ أولى خطوات "الحلم" الذي كان يسعى إليه، صعدت روحه إلى السماء.

هي حكايةٌ مختصرة، ومأساوية، عن اليتيم السوري، فارس العلي، والذي قتل قبل يومين، متأثرا بـ"طعنات عنصرية" تلقاها من مجموعة من الشبان الأتراك، حيث يقيم مع عائلته في ولاية هاتاي جنوبي البلاد.

شيع المئات في هاتاي، صباح يوم الاثنين العلي، حملوه على الأكتاف لساعات، وصلوا عليه، ومن ثم توجهوا بجثمانه إلى معبر "باب الهوى" الحدودي بين تركيا وسوريا، على أن يتم دفنه في قرية "معربليت" بريف محافظة إدلب، مسقط رأسه، التي كان قد خرج منها بعمر العاشرة، تاركا ورائه قبر أبيه.

تأتي هذه الحادثة ضمن سياق متصاعد للجرائم التي باتت تستهدف شبان سوريين، خلال الأشهر الأخيرة بـ"دوافع عنصرية"، حسب ما يقول نشطاء حقوق إنسان، وما أشار إليه أيضا بأوقات متفرقة مسؤولون في الحكومة التركية.

وقبل أقل من ثلاثة أشهر (في يونيو 2022) كانت مدينة إسطنبول التركية شهدت حادثة مماثلة، مع اختلاف السلاح الذي استخدم، إذ قتل الشاب شريف خالد الأحمد، متأثرا برصاصات، أطلقها شبان أتراك، أسفرت عن مقتله على الفور. 

وكما هو الحال بالنسبة لليتيم العلي كان الشاب شريف قد عاد إلى إدلب أيضا محمولا على الأكتاف وداخل "نعش". وهي "مفارقة مأساوية" بات تتكرر بكثرة، فيما يخشى السوريون أن تتصاعد بإطراد، خاصة مع استمرار حملات الكراهية والعنصرية، التي تقودها بالتحديد شخصيات في المعارضة، على رأسها زعيم "حزب النصر"، أوميت أوزداغ.

"تشجعوا لأنه سوري"

فارس العلي" أكبر إخوته الخمسة، وعقب وصوله إلى تركيا كان قد بدأ حياته بالدراسة في "قرية الأيتام" التي تشرف عليها منظمة "الإغاثة الإنسانية التركية" (ihh) في منطقة الريحانية.

وبعدما تلقى التعليم في هذه القرية الخيرية، تمكّن "بجدارة" من النجاح في اختبار "اليوز" مؤخرا وبمعدل أهله لدراسة الطب في جامعة "باليكيسر"، وذلك حسب ما يقول قريبه الشاب السوري أحمد عزو في حديث لموقع "الحرة".

وكغيره من الشبان السوريين الذين يتأهيأون لإكمال مراحل التعليم الجامعي، اتجه العلي قبل ثلاثة أيام للعمل في مصنع لإنتاج "مواد المونة" حيث يقيم في هاتاي، في مسعى منه لإعالة عائلته ماديا من جهة، ولكي يتحضّر للتكاليف التي تنتظره، في أثناء دراسة الطب.

وفي التفاصيل يشرح قريبه خلفيات حادثة مقتله طعنا، التي كان مسرحها أولا المصنع الذي يعمل فيه، موضحا أن "فارس كان قد اصطدم في أيام العمل الأولى بامرأة تركية دون قصد، ليعتذر منها فيما بعد، فيما مرّ ذلك بسلام".

لكنه يضيف: "بعد أيام وبينما كان يسير برفقه صديقه في منطقة بازار نارلجا بأنطاكيا تقدم إليهم خمسة شبان وأقدموا على محاصراتهم. شخص أمسك فارس والثاني قام بطعنه بالسكين. فقد الكثير من الدماء وتوفي على الفور".

وحسب العائلة فإن السلطات التركية تمكنت من إلقاء القبض على القاتل البالغ من العمر 16 عاما، إضافة لشابين آخرين شاركا في العملية.

بدورها أصدرت ولاية هاتاي بيانا مكتوبا، يوم الأحد، أكدت فيه اعتقال "الفاعلين" في الحادثة "خلال مدة قصيرة"، وأوضحت أنه "تم سوقهم إلى السلطات القضائية".

وبعدما أعلن عن مقتل فارس زار رئيس "هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات"، بولند يلديم عائلته، بينما اتصل بها وزير الداخلية، سليمان صويلة، معربا عن تعازيه.

واستنكر يلدريم والهيئة التي يرأسها، في بيانين منفصلين على "تويتر"، بشدة "الاعتداء" الذي أودى بحياة فارس، قائلين إنه "أحد أيتامنا السوريين"، وإنه "ترعرع في مجمع الريحانية لرعاية الأيتام، حتى أنهى المرحلة الثانوية هذا العام بتفوق، ونال مقعدا في كلية الطب".

يقول أحمد عزو: "فارس ابن شهيد. بدأ حياته بالدراسة منذ وصوله إلى تركيا وحتى وفاته. كان من الأوائل وحصّل مقعدا في كلية الطب قبل أسبوعين من وفاته".

ويضيف: "شاب خلوق ومهذّب وكان حافظا لنصف القرآن الكريم. قاتلوه تشجعوا على قتله لأنهم عرفوا أنه سوري".

"ضحايا صامتون"

ولم تكن حادثة قتل فارس وقبله الشاب شريف الأحمد الوحيدتان اللتان هزتا أوساط اللاجئين السوريين في تركيا، منذ بداية العام الحالي، بل سبقتهما حادثة مشابهة أيضا، في شهر يناير.

في ذلك الشهر قتل الشاب نايف النايف، متأثرا بطعنات تعرض لها من قبل ثمانية أشخاص ملثمين كانوا قد اقتحموا المنزل الذي يقيم فيه في حي بيرم باشا بإسطنبول.

وقبل مقتل نايف بأسابيع شهدت مدينة إزمير جريمة قتل "مروعة"، راح ضحيتها 3 شبان سوريين، وهم مأمون النبهان (23 عاما)، أحمد العلي (21 عاما)، محمد البش (17 عاما).

وفق ما تحدثت وسائل إعلام تركية، حينها، بينها صحيفة "يني شفق" فقد توفوا حرقا، بعد إضرام "شخص عنصري" النار في الغرفة التي يقيمون فيها بجانب المعمل الذي يشتغلون فيه.

الناشط الحقوقي المهتم بأوضاع اللاجئين السوريين في تركيا، طه الغازي، يشير إلى أنه "لا توجد إحصائيات رسمية للحوادث العنصرية التي راح ضحيتها عدد من الشبان السوريين".

ويشرح أسباب ذلك لموقع "الحرة" بالقول إن "القسم الأكبر من القضايا العنصرية، سواء التي تسفر عن قتل أو تجريح لفظي يبقى مسكوتا عنها".

وخلال الآونة الأخيرة بات اللاجئ السوري "يخشى من تقديم أي شكوى، بناء على تعرضه لموقف عنصري، وذلك خوفا من أن تنعكس الأمور ضده"، حسب تعبير الغازي.

ويتابع: "هذا الأمر عزز من تحول هكذا نوع من القضايا إلى صامتة. خلال الأشهر السبعة الماضية كان لدينا 5 أو 6 جرائم قتل، بالإضافة إلى حوادث طعن بشكل شبه أسبوعي".

"موضوع الاعتداء اللفظي شبه يومي. كل لاجئ سوري عندما يتعرض لاعتداء يحاول النأي بنفسه كي لا تتطور الأمور ويتم توقيفه، رغم أنه الضحية"، وفق الناشط الحقوقي.

وكانت أوساط تركية سياسية وصحفية مقربة من الحكومة، استنكرت حادثة قتل الشاب "فارس"، خلال الساعات الماضية، بينما حمّل مسؤولون في وزارة الداخلية زعيم "حزب النصر"، أوميت أوزداغ ما حصل.

"تحريض بعد الموت"

وفي تغريدة عبر حسابه في "تويتر"، الأحد، وجه أوزداغ اتهاما لـ"منظمة ihh" بأنها "عدو لتركيا ولا علاقة لها بالأتراك"، لأنّها قدّمت تعازيها لعائلة الشاب السوري فارس العلي.

وزعم زعيم "حزب النصر" بأن قتل "العلي" على يد شاب تركي كان نتيجة دفاع الأخير عن والدته، التي تعثر "العلي" واصطدم بها.

وبعد هذه الكلمات غرّد نائب وزير الداخلية التركي، إسماعيل تشاتاكلي، موجها خطابه لأوزداغ، بالقول: "إنك لا يمكنك حتى تقديم تعزية، لقد قلنا دائما: أنت لست إنسانا!، بالمناسبة لا تعتقد أننا نسينا، لقد انتهى وقتك!".

ودافع نائب وزير الداخلية التركي عن المنظمة الإنسانية التي نشرت بيان التعزية، مضيفا أنها "تندفع لمساعدة ضحايا الكوارث والمحتاجين، سواء في تركيا أو الكثير من مناطق العالم بغض النظر عن اللون أو اللغة أو الدين أو العرق".

وبات زعيم "حزب النصر" على كل لسان في تركيا، منذ مطلع العام الحالي، سواء من الحكومة إلى المعارضة والموالاة، وحتى ضمن دائرة نقاش اللاجئين السوريين، الذين تحولوا بالتدريج إلى "مادة دسمة" تتصدر برنامجه الانتخابي، ورؤيته السياسية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية في 2023.

وينشط أوزداغ بشكل أساسي عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، الذي يتابعه فيه قرابة مليون، إضافة إلى وسائل الإعلام ذات النفس المعارض، التي باتت تستقبله بصورة كبيرة، خلال الأشهر الماضية، نظرا لحالة الجدل التي بات يثيرها بشكل شبه يومي.

ورغم تحميل "الداخلية التركية" مسؤولية جرائم العنصرية في البلاد لأوزداغ، إلا أنها لم تتخذ إجراءات "حاسمة" ضده، وهو ما بات سؤال جدلي يراود الكثير من السوريين.

واعتبر الناشط الحقوقي الغازي أن "الحكومة خلال السنوات الماضية باتت تكتفي بالمواساة الكلامية والتعاطف المعنوي"، وأنه "لم نشهد سن قرارات جديدة تجرّم التمييز والعنصرية".

يقول الغازي إن "غياب سلطة القانون بات يفسح المجال لفئات عنصرية في المجتمع التركي للتمادي على حقوق اللاجئ السوري".

"الصورة النمطية للسوري، سواء لاجئ أو مجنس باتت في ذهنية المواطن التركي مترسخة بأن الإنسان السوري ضعيف ومسلوب الحقوق، وبإمكانك الاعتداء عليه دون أي قانون يحميه".

ويضيف الناشط الحقوقي أنه يجب على الحكومة أن تتخذ "خطوة مهمة"، بـ"سن قوانين وتشريع يجرم العنصرية بالإضافة إلى الصرامة والحزم في التنفيذ".

وزاد: "هذه الخطوة ليست فقط من أجل السوريين بل من أجل المجتمع التركي، الذي بات يتأثر داخليا بخطاب العنصرية والكراهية أيضا".

وتستضيف تركيا، منذ سنوات طويلة، ما لا يقل عن 4 ملايين لاجئ، ولديها طالبو لجوء أكثر من أي دولة في العالم.

وباتت حوادث القتل بـ"دوافع عنصرية" تنذ بحالة "خطيرة" حسب نشطاء حقوق إنسان، ولاسيما في الوقت الذي تستمر فيه شخصيات من أحزاب المعارضة بعمليات التحريض، وسط غياب إجراءات قضائية "رادعة".