العدد 5048
الأربعاء 10 أغسطس 2022
banner
عن التعليم ومنظومة القيم الوطنية
الأربعاء 10 أغسطس 2022

خبر وسط الأخبار الكثيرة والمتزاحمة في حاضرات أيامنا، عن قيام قيصر روسيا، فلاديمير بوتين، باستهداف عقول طلاب المدارس، وذلك من خلال تغيير البرامج الدراسية لتعزيز "القيم الوطنية"، لدى الأجيال الروسية الشابة. ما القصة وما الدرس الكامن في ثناياها وحناياها؟

باختصار غير مخل، على عتبات العام الدراسي الجديد، تشرع المدارس في روسيا، في تلقين طلابها فرعا جديدا من العلوم، وإن شئنا الدقة يمكن القول، الآيديولوجيا، المرتبطة بـ "التعليم والقيم الوطنية".

المواد الجديدة يصفها القائمون على شؤون التعليم في روسيا، ومنهم، سيرغي نوفيكوف، رئيس الإدارة الرئاسية للمشروعات الاجتماعية في روسيا، بأنها "الحديث بشأن الأشياء المهمة"، والهدف الرئيس منها العمل على إشعال جذوة الوطنية في النفوس الروسية الشابة، والتركيز على قيم المجتمع الروسي المنصوص عليها في خطة الأمن القومي للبلاد.

هل الرئيس بوتين حجر أساس في هذا المشروع؟ ذلك كذلك قولا وفعلا، فهو القائد الذي لا ينفك عن لعب دورين وليس دورا واحدا، قيادة الدولة على الصعيد السياسي، واستنهاض قواها السلافية التاريخية الرامية إلى "تقوية الأسس الروحية والأخلاقية للمجتمع الروسي، من خلال تعزيز التربية الوطنية للشباب". يلفت الانتباه أول الأمر، أن بوتين وبقية المنظومة التربوية الروسية، غير مهمومة أو محمومة بمناهج ومقررات التعليم الاعتيادية، من علوم تطبيقية أو تجريبية، إنما جل الاهتمام هنا يتركز على المنظومة القيمية للوطن، وفي هذا ذكاء اجتماعي شديد، وروح وطنية خلاقة تستدعي تحليل ما يجري في روسيا والاستفادة منه.

يدرك القيصر أنه أمام تحد كبير وخطير، تحد لا يتمثل في مواجهة آلة الناتو العسكرية فحسب، فهذه كفيلة بها منظوماته الصاروخية الفرط صوتية الحديثة، إنما المواجهة والمجابهة الأكبر تتمثل في عقول الأجيال الروسية الجديدة، وهي ستنشأ على منوال يضمن الولاء والوفاء لروسيا الدولة الأم، أم لمنظومات فكرية غربية مخترقة للحاضنة الثقافية والروحية الروسية، وهذه هي الخسارة الكبرى التي لا يمكن لروسيا أن تعوضها حال خسارتها.

قبل هذه المبادرة بعدة أشهر طالع المراقبون للشأن الروسي أنباء عن قيام مدربين عسكريين روس بعمل معسكرات لتلاميذ المدارس الروسية في زمن العطلات الصيفية بهدف تعليمهم أبجديات العسكرية الروسية وبعض التمارين الخفيفة، ضمن إطار هو الأهم، يتمثل في إحياء مراسم رفع العلم، وعزف النشيد الوطني، وشراء أعلام روسية جديدة، وقد كان ذلك المقدمة لقيام بوتين بتوقيع قانون لإنشاء منظمة شبابية حديثة على غرار منظمات الرواد الشباب في زمن الحقبة السوفييتية، والتي كانت من أولى الخطوات التي اتخذت لدمج المواطنين في الآيديولوجيا الشيوعية آنذاك.

هل الغرض من هذه السطور هو التركيز على التجربة الروسية الحديثة؟

على أهميتها، إلا أن الأمر ليس كذلك، فيما الأهم هو النظر إلى الأمر ومحاولة الاستفادة منه في خلق فكر يمثل رديفا جديدا للعملية التعليمية في عالمنا العربي.

طويلا جدا وجدنا أنفسنا في حيرة بين ظاهرة التغريب، أي محاكاة الغرب مرة وإلى الأبد، وبين التوجه شرقا ومحاولة التماهي مع أنظمته، وقيل إننا حصرنا أنفسنا في النموذج القومي والديني ومن غير أدنى مقدرة حقيقية على الإبداع والابتكار.

ما هي المادة الأولى التي سوف يتم الاهتمام بها بشكل مكثف في العام الدراسي الروسي الجديد؟

قولا واحدا، التاريخ، هناك حيث توجد حاضنة المنظومة القيمية، وتاريخنا العربي بحاجة إلى إعادة قراءته من الأجيال الشابة، واكتشاف مكامن ثرواته.

قال أحدهم يوما.. هزمناهم حين أنسيناهم تاريخهم وثقافتهم.

هل لنا أن نتعلم من التجربة الروسية الجديدة؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية