العدد 5041
الأربعاء 03 أغسطس 2022
banner
المأزق الأوروبي والسلام الأوراسي
الأربعاء 03 أغسطس 2022

على الرغم من أن البعض يأخذ عليه تصريحاته ذات الطابع العنصري بعض الشيء، إلا أن الكثير من الأوروبيين اليوم يتساءلون: "هل كان فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر على حق في تصريحاته بشأن طريقة التعاطي الأوروبي مع روسيا؟".
أوربان سبق وتحدث عن استحالة هزيمة أوكرانيا لروسيا، ونبه إلى المخاطر المحدقة بأوروبا من وراء الاندفاع الأعمى وراء الولايات المتحدة الأميركية. تبدو أوروبا اليوم في مأزق حقيقي من أكثر من جهة، فهي من ناحية تعيش حالة من التفكك بعد أحلام الاتحاد المخملية، ولم يعد الأمر متوقفا عند حدود الانسحاب من الكيان الأوروبي، بل تباين وجهات النظر تجاه المعارك الدائرة على الجبهة الشرقية بين الروس والأوكران، والتي باتت تبعاتها السيئة تنسحب على عموم الأوروبيين، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تفكر باريس بعقلية وسطية تجاه موسكو، فيما برلين تأخذ موقفا حديا، بينما إيطاليا والبرتغال وإسبانيا، أي الدول الأرق حالا ماديا وقوة عسكرية، لم يعد يعنيها سوى شأن مواطنيها ومستوى الخدمات المقدمة لهم.
قبل بضعة أعوام كان الطرح الأوراسي مقبولا من غالبية الأوروبيين، أي إمكانية التعاون بين روسيا وأوروبا، بوصفهما امتدادا جغرافيا قابلا للتحول إلى تعاون جيوسياسي، وهو المشروع الذي وضع لبناته النظرية رئيس فرنسا الأشهر الجنرال شارل ديجول، أي التعاون من جبال الأورال شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا. تبدو الآن كل أحلام التعاون قد تبخرت، وحلت محلها الشكوك، ناهيك عن محاولة الاتحاد الأوروبي استقطاب عدد من الدول التي عاشت لمئات السنين على الحياد، إلى داخل الاتحاد الأوروبي، وعدم الاكتفاء بهذا فقط، بل اعتبار تلك الدول مرتكزات عسكرية في أية مواجهات قائمة أو قادمة مع روسيا الاتحادية، وفي مقدم تلك الدول السويد وفنلندا.
تجاوزت أوروبا نقطة البحث عن التعاون مع روسيا، إلى منطق الصراع والمواجهة، لاسيما في ظل الدور الذي تقوم به بريطانيا تحديدا في دعم الأوكرانيين بأسلحة متقدمة، تؤثر بلا أدنى شك على ميزان التوازن العسكري، وحتى لو بقي لصالح الروس، فإن صواريخ بريطانيا ودعمها الاستخباري، عطفا على مدربي القوات الخاصة بها، يوقعون خسار كبيرة في الروس، ما يجعل روح الثأر والانتقام عند القيصر بوتين وصحبه تتصاعد في أعلى عليين. مأزق آخر ظاهر للعيان في أوروبا ولا يدري الأوروبيون ماذا هم فاعلون في مواجهته، ونعني به مأزق الطاقة، فقد ارتكنوا طوال ستة عقود على مصادر الطاقة الروسية، وكانت البداية مع اكتشاف النفط والغاز في سيبيريا أواخر خمسينات القرن الماضي.
اليوم يغلق سيد الكرملين أنابيب نورد ستريم 2 رويدا رويدا، وذلك تحت دعاوى الإصلاح والتجديد، الأمر الذي لا تتقبله عقول الأوروبيين، حيث يدركون حقيقة المشهد وكيف أنه رد على العقوبات الأوروبية على روسيا، والسير الوئيد وراء الإرادة الأميركية مرة وإلى ما شاء الله. 
جانب آخر من المأزق الأوروبي يتمثل في تصاعد المد اليميني القومي والعنصري، لاسيما أنه كلما طال أمد الحرب، اشتعلت في النفوس أحاسيس ومشاعر القومية الأوروبية التي ما فتئ الأوروبيون يسعون للخلاص منها، وباتت الآن تعمل على أكثر من صعيد، في مواجهة القوميات السلافية الآسيوية من جهة، وفي مواجهة العرب والأفارقة من جهة ثانية، وتصريحات أوربان عينه بشأن ضرورة بقاء ونقاء الجنس الأوروبي شاهدة على ذلك. 
أوروبا مدعوة للعب دور الوسيط بهدف السلام الأوراسي، وليس دور التابع لأميركا، وإلا فإن أكلافا عالية وغالية تنتظرها.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .