العدد 5031
الأحد 24 يوليو 2022
banner
المسافة الآمنة
الأحد 24 يوليو 2022

ترك مسافة آمنة، جملة تتكرر كثيراً في النشرات التوعوية، سواء فيما يتعلق بالأمور الطبية الوقائية أو من خلال الإعلانات الإرشادية. إن المسافة الآمنة من شأنها أن تحافظ على توازن المركبة إن حدث أمر مفاجئ في الطريق، وهي كذلك الملاذ الآمن عند التعرض لأية اختناقات بشرية، وهي بمثابة طوق النجاة لتفادي بعض الأمراض المعدية.
المسافة الآمنة، مطلب مهم في حياة الفرد بشكل عام، لكن تبرز أهميتها بشكل ملح عندما نتطرق للعلاقات الشخصية وكيفية التعامل مع الأنماط المختلفة منها، ناهيك عن كونها درع الأمان في المحافظة على توازن العلاقات الاجتماعية من الانهيار والترابط الأسري من التفكك.
ترك مسافة آمنة عند التعامل مع الآخرين جدير بأن يجنب الإنسان الكثير من المتاعب قبل وقوعها، ويوفر عليه الجهد عند الحاجة لعلاجها، ولا شك أن علاقاتنا مع من حولنا تختلف باختلاف مواقعهم في سلم أولوياتنا، وعليه فإن قرب المسافة الآمنة أو بعدها يعتمد كذلك على درجة تقييمنا المواقف وتقديرنا العواقب. من منا لم يختلف مع صديق أو زميل أو حتى مع قريب؟ فكم من صداقة تعكر صفوها وغاب أنسها بسبب تزاحم المسافات وعدم الاحتراز في مراعاة الخصوصيات، فسد الذرائع أمام المتطفلين صمام الأمان في المحافظة على خصوصياتنا حيال أصحاب الفضول، وترك الباب موارياً أحياناً من شأنه أن يحافظ على استمرار بعض العلاقات المتذبذبة حتى تستقر.
نحتاج أحياناً إلى شيء من الجرأة عند اتخاذ القرارات، فبتر ساق المريض من شأنه المحافظة على حياته، والصدمة الكهربائية تنعش المريض أحياناً، فديمومة العلاقات بحاجة لشيء من تباعد المسافات وقلة الترداد حتى تنتعش وتزداد الصِلات، ولا يتأتى ذلك إلا بحسن تقديرنا في تحديد مقدار المسافات. لن نفشي سراً لو قلنا إننا في زمن يفتقر إلى الترابط الاجتماعي المعهود، حتى العلاقات الأسرية شابها شيء من الفتور وعدم الاكتراث، ولعل من أبرز أسبابها إغفالنا جانب التقييم والمراجعة في جدوى علاقاتنا مع من حولنا ومدى استعدادنا لإبقاء الجيد ودرء الرديء منها، فالإبقاء على مسافة واحدة من الجميع ليس أمرا محمودا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية