العدد 5024
الأحد 17 يوليو 2022
banner
الحج بين الحقوق والحظوظ
الأحد 17 يوليو 2022

ركن الحج من الأركان المشروطة بالاستطاعة، سواء في القدرة البدنية أو الاستطاعة المادية، ذلك أن قاصد الحج بحاجة إلى صحة جيدة تمكنه من أداء المناسك، وكذلك استطاعة مالية تغطي تكاليف الرحلة. كلا الأمرين ومع انتشار الأمراض المزمنة أصبح صعب المنال في وقتنا الحاضر، حيث نرى المشمرين للحج من الشباب قلة، حيث الاستطاعة المالية وليست القدرة البدنية هي التي تقف حائلاً بينهم وبين الحج، وبالمقابل فإن ميسوري الحال ربما وقفت لهم الحالة الصحية بالمرصاد.
لقد كانت رحلة الحج في السابق قليلة التكاليف، لكنها تتسم بالمشقة نوعاً ما، الأمر الذي جعل أفواج الحجيج يكثرون الشكوى حال رجوعهم بدعوى أن المقاول قصر معهم ولم يف بوعوده، ثم اتضح بعد أن توالت الشكاوى أن معظمها كانت بسبب عدم وفرة الطعام ونوعية الخدمات المقدمة، حيث وجدوا في ذلك هضماً لحقوقهم، ما حدى بمقاولي الحج لإدخال أنواع من الترف ضمن برنامجهم الدعائي للحج، فبدأ التنافس بين المقاولين في توفير صنوف البوفيهات، وتوفير المرطبات على مدار الساعة، والسكن في غرف مستقلة، والبحث عن شتى الوسائل لتوفير أقصى درجات الراحة والترف سعياً منهم لإرضاء الحجيج من جانب، وتفادي الشكاوى والعقوبات من جانب آخر، حتى وصل الحال لما آل إليه الآن من تكاليف باهظة مقابل “خدمات خمس نجوم” يعجز عنها الكثير من ذوي الدخل المتواضع.
لقد نسي البعض الحكمة من هذا الركن العظيم، فالحج رحلة إيمانية لتربية النفس على الصبر في تحمل المشاق وكف الأذى عن الأنام حتى ترجع وأنت نظيف من الدرن، وليس مليء البدن، فمناسك الحج من طواف وسعي تذكرنا بذات الوادي الذي تلوى فيه الرضيع سيدنا إسماعيل من العطش، وهو نفس المسعى الذي باتت أمه هاجر تسعى فيه بين الجبلين وقد أنهكها التعب بحثاً عن الماء في واد غير ذي زرع، وكذلك الوقوف بعرفة وغيرها من الشعائر إنما جُعلت ليتعلم العباد الترفع عن الأحقاد والتنزه عن الكبرياء ونيل الصفاء والمحبة والإخاء.
ختاماً، الحج ليس رحلة ترف واستجمام، حتى نطالب بالطعام الوفير والإسراف فيه، أو المسكن الفاخر لننام فيه، بدعوى الحقوق، إنما هي في الحقيقة من الترف وحظوظ النفس.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية