العدد 4978
الأربعاء 01 يونيو 2022
banner
الغذاء العالمي.. أزمة حرب أم إشكالية ضمير؟
الأربعاء 01 يونيو 2022

تكلم كارل ماركس ذات مرة عن الحروب بوصفها مولدة للتاريخ، لكنه لم يقل لنا أي تاريخ، هل تاريخ البؤس والشقاء، أم الراحة والهناء، والجواب يقودنا إلى قصة مثيرة ربما ليس الآن أوانها ولا الزمان زمانها.
تبدو الحرب الروسية – الأوكرانية في طريقها إلى جلب كارثة إنسانية، إنها أزمة الغذاء العالمي التي باتت محل مقايضات بين الدول الكبرى، لاسيما بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية في الحال، وعما قريب حكما ستكون هناك الصين في الاستقبال. على أنه وقبل الدخول في عمق أعماق المشهد الدولي المأزوم، يعن لنا التساؤل: "ترى هل أزمة الغذاء العالمي، قائمة من قبل حرب أوكرانيا؟"، الجواب الذي لا يصد ولا يرد، هو أن ذلك كذلك، والسبب الرئيس من غير تهوين أو تهويل هو الجشع الرأسمالي، والنيوليبرالية المنفلتة، تلك التي قادت العالم إلى منحدرات الهاوية كما نرى.
الذين لديهم علم من كتاب، يدركون كيف أن دولا كبرى بعينها باتت تستخدم المحاصيل الزراعية، وخصوصا الذرة، في توليد زيوت الإيثانول، واستخدامها كوقود، بهدف المضاربة على أسعار الطاقة العالمية، وتحقيق أعلى الفوائض والأرباح. لا يهم أصحاب هذا التوجه أن لا يجد الفقراء حول العالم ما يسدون به جوعهم، ولا أن تعاني دول بعينها من المجاعة، رغم الأخطار الديموغرافية الناجمة عنها، والهجرات غير الشرعية التي تولدها، مع مشاعر الحنق والغضب التي تتولد جراء الظلم الاجتماعي، ما يعني المزيد من الحروب والإرهاب.
الساعون إلى الربح الخالص، وغير المشروط بمراعاة مصالح البشر، هم الذين قاموا بقطع الغابات لتحويل أشجارها إلى مصانع الأخشاب، وأراضيها إلى مجمعات سكنية، ومن غير مراعاة الأثر الخطير الذي يتركه هذا وذاك على البيئة، ولم يكن من الغريب أو العجيب أن تنقلب الطبيعة على الإنسان وتعلن حربها الإيكولوجية، عبر ارتفاع درجة حرارة الأرض، ومن ثم جفاف التربة الطينية، وتبخر البحار، وندرة المياه العذبة، ما يعني قلة المحاصيل والعودة مرة أخرى إلى دائرة الجوع وأزمة الغذاء العالمي. 
أمر آخر بعيد عن الحرب، وهو فكرة سلاسل الإمداد، سواء الغذائي أو الدوائي، والكل يستمع إلى هذا التعبير ولا يدري ما ورائياته. الفكرة بدون اختصار مخل تقوم على أن ملاك المصانع العملاقة من الشركات العابرة للقارات ومتعددة الجنسيات، إنما يسعون إلى تعظيم أرباحهم من خلال نقل تلك الصناعات إلى دول ذات أيدي عاملة رخيصة، ما يؤدي إلى حرمان العمال في البلاد الأصلية من فرص العمل والإنتاج وتدبير شؤون حياتهم. 
هو إذا مفهوم المنفعة البراغماتية غير المستنيرة، ذاك الذي يقف وراء ثلاثة أرباع الأزمة الغذائية العالمية الأخيرة، وإن بقي الربع الأخير موصولا بالحرب من موسكو إلى كييف.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن روسيا غير مسؤولة عن أزمة الغذاء العالمي، في إشارة لا تخطئها العين لأزمة توريد الحبوب إلى بقية أرجاء العالم، ويرى أن الغرب بعقوباته على الروس هو السبب الرئيس لذلك. 
لكن التساؤل الأخلاقي هل يمكن استخدام الغذاء كأداة من أدوات الصراع العسكري؟
القاعدة غير الأخلاقية، هي أن كل شيء في الحرب مباح ومتاح، وقد استخدم القيصر سلاح الطاقة الأشهر الماضية، وها هو يستخدم سلاح الغذاء. 
أي مستقبل ينتظر إنسانية لا أخلاقية على هذا النحو؟.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .