العدد 4943
الأربعاء 27 أبريل 2022
banner
العالم الإسلامي بين التطوير والتنوير
الأربعاء 27 أبريل 2022

عزيزي القارئ، هذا هو المقال الأخير من سلسلة المقالات الخاصة بشهر رمضان الفضيل، والتي توقفنا فيها مع عدد من القضايا المعاصرة التي تلامس شؤون وشجون العالم العربي والإسلامي، وقد تم تناولها من باب الحضارة العربية والإسلامية الواسع، تلك الحضارة التي قبلت إسهامات الكثيرين من غير العرب، وحتى من غير المسلمين.
في هذه القراءة الأخيرة نتوقف مع هذا التساؤل الحيوي بل والجوهري: "هل حان الوقت المناسب للقضاء على الخرافة التي تدعي أن الإسلام عاجز عن التطور"؟ لنستمع سوية إلى ما قاله المفكر الفرنسي الكبير، صديق الإسلام والمسلمين، والذي ترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة العربية في واحدة من أفضل الترجمات، لقد أبرز "جاك بيرك" بوضوح ديناميكية الإسلام قائلا: "يبدو لي أن الإسلام كنظام، أراد أن يعيد للعالم شبابه في عصر يعاني فيه العالم من الضجر".
إلا أن هذا العالم يعاني من ضجر كبير على المستوى الأخلاقي والروحاني، والأمر المطروح حاليا هو البحث عن هويته الديناميكية، وربما من خلالها يقدم مقترحا بنماذج جديدة لحياة العالم، وبفضل قيمه الروحانية وإنجازات حضارة عظيمة يحتفظ الإسلام بقدرته الدائمة الثابتة على التنمية والإبداع والابتكار بما في ذلك المجال الفقهي من خلال الاجتهاد في الشريعة والتطبيق من أجل إحياء الفقه.
والشاهد أن فكرة الإصلاح والتطوير والتنوير في العالم الإسلامي بدأت تتحول إلى فكرة سيئة السمعة بقدر ما ارتبطت ارتباطا غير إيجابي أو خلاق، بالأطروحات والضغوطات الغربية، والتي تماست كثيرا مع إشكالية الجهاد المغشوش، والفوضى الخلاقة المدمرة، والديمقراطيات المنحولة المفككة والمفخخة للدول والأوطان.
في هذا السياق أيضا لا ينبغي على الغرب أن يكون أداة معطلة للإصلاح، وهذا أمر يتطلب فهما واسعا للعقلية العربية والإسلامية، وعلى القوى الغربية الفاعلة والمؤثرة كما يقول "شارل سان برو" أن لا تسعى إلى فكرة فرض الإصلاح دينيا أو سياسيا، فالأمم الإسلامية لا تحتاج إلى مبشري الكلمة الطيبة الغربية، لأنه لا توجد صيغة يمكن نقلها من بلد لآخر. 
والإصلاحات مسؤولية المسلمين وحدهم، وينبغي عليهم تقرير أسس ملامح إسلام الغد، وينبغي أن يفعلوا ذلك دون مشاكل ويتذكروا أنه بين القرن السابع والثامن، كانت أوروبا تتحسس في الظلام، وأن الاجتهاد المبني على القرآن والسنة سمحا باستخلاص قوانين تقدمية تتعلق بالحياة الاجتماعية وكرامة الإنسان.
كان الإسلام إصلاحيا منذ بداياته، فقد طرح مبدأ المساواة المطلقة بين البشر، بغض النظر عن الوطن أو الجنس، ومساواة الجميع أمام القانون، ودافع عن كرامة المرأة وقبل حرية العقيدة ومارس السماحة نحو الديانات الأخرى، وأكد حرية الفكر، وحث كل مؤمن على المؤاخاة والتضامن الفعال لأعضاء المجتمع.
لقد كان الإسلام إصلاحيا في زمن الجاهلية، وسعى إلى بلورة نموذج للمدينة الفاضلة، ولهذا السبب يحتاج العالم الإسلامي إلى مصلحين جدد، أفكارهم قائمة على بذل الجهد في الفهم والتفكير، ولتعويض الجمود الذي أصاب الفكر الإسلامي، والهروب من آيديولوجية الإنكار التي روجها المتحالفون مع الغرب.
يحتاج العالم الإسلامي إلى حكماء جدد، يؤكدون رسالته الحية والأبدية، ويقدمون حلولا تتكيف مع المواقف الجديدة، وذلك من خلال ممارسة الاجتهاد في ضوء القرآن والسنة. ومازال العالم الإسلامي يحتاج إلى الاجتهاد كما يؤكد المفكر التونسي الكبير الراحل "العفيف الأخضر" لتحقيق الإصلاح لمواصلة الجمع بين السلفية التي تختلط بالفلكلور القديم، والتقدم الذي لا يعني المثاقفة والبدع المكروهة، ويتطلب ذلك رفض شكلي التقليد اللذين يهددان الإسلام المعاصر، وهما: "التقليد الأعمى للماضي والعادات العرفية دون أساس ديني، والتقليد الأعمى للغرب".
عزيزي القارئ عيد فطر سعيد مقدما.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .