العدد 4936
الأربعاء 20 أبريل 2022
banner
الإنسانية وما بعد العولمة.. إلى أين؟
الأربعاء 20 أبريل 2022

مازلنا في رحاب الشهر الفضيل، والتأملات لا تزال قائمة والتساؤلات عن مصير الإنسانية المعذبة موصولة، والجميع يتطلع إلى مرفأ نجأة من هذا الزمن العاصف. لقد أثبتت التجربة العملية أن العولمة لم تشف النفس الإنسانية، على الرغم مما قدمته من مغريات، وما أتاحته من تسهيلات حياتية، لكن ظل هناك فراغ روحي وأخلاقي، وقد قال أحد الفلاسفة ذات مرة إن قلب الإنسان أقرب ما يكون إلى المثلث، فيما الأرض كروية، وعليه فإذا وضعنا الأرض برمتها في قلب الإنسان ستظل هناك فراغات لا يمكن أن تمتلئ.
هل البشرية في هذه الأوقات التي يعن للبعض تسميتها بأنها زمن ما بعد العولمة، بحاجة إلى مشروع أخلاقي، ينتشلها من عبودية الرأسمالية المتوحشة التي سلعت الإنسان؟ يبدو الجواب لدى المفكر السويسري الذي رحل مؤخرا عن عالمنا البروفيسور هانز كونج، صاحب فكرة المشروع الأخلاقي العالمي، والذي عنده أنه لن ينعم العالم بالسلام، إلا إذا عاشت الأديان المختلفة على سطح الكرة الأرضية في مودة مع بعضها البعض، وهو هنا لا يقصد فقط الأديان الإبراهيمية، بل كل الأديان التوحيدية والنواميس الوضعية كما نسميها.
إعلان الأخلاق العالمية الذي نادى به كونج في حقيقة الأمر يمثل نوبة صحيان لأبناء الأديان الإبراهيمية بداية الأمر، ولكل أصحاب المذاهب الوضعية تاليا، ذلك أنه باعتبارنا أشخاصا متدينين ذوي توجهات روحانية، ونؤسس حياتنا على حقيقة أخيرة، نستمد منها قوة روحانية وأملا، بالتوكل والصلاة أو التأمل الروحي، نطقا أو صمتا، فنحن لدينا التزام خاص جدا بتحقيق خير الإنسانية جمعاء، والاعتناء بكوكب الأرض، نحن لا نعتبر أنفسنا أفضل من الآخرين، لكننا على ثقة بأن حكمة أدياننا العريقة في القدم يمكن أن ترشدنا إلى سبل المستقبل. ما هو وضع الإنسانية اليوم وإلى أين تمضي؟
الشاهد أنه بعد حربين عالميتين، ونهاية الحرب الباردة، وبعد انهيار الفاشية والنازية، وزلزلة الشيوعية والاستعمار، دخلت الإنسانية مرحلة جديدة من تاريخها، ولعله من المفترض أن الإنسانية تمتلك اليوم موارد اقتصادية، ثقافية، وفكرية كافية لتأسيس نظام عالمي أفضل، إلا أن توترات إثنية، وقومية، اجتماعية، واقتصادية، ودينية قديمة وحديثة، تهدد التأسيس السلمي لعالم أفضل.
صحيح أن عصرنا شهد تقدما علميا وتكنولوجيا أعظم من أي وقت مضى، إلا أننا نواجه رغم ذلك حقيقة أن معدلات الفقر، والجوع، ووفاة الأطفال، والبطالة، والإملاق، وتدمير الطبيعة على مستوى العالم، لم تتراجع، بل زادت، ولهذا تواجه شعوب كثيرة خطر الدمار الاقتصادي، والتفكك الاجتماعي، والتهميش السياسي، والكوارث البيئية، والانهيار القومي. 
وفي مثل هذه الأوضاع العالمية المأساوية لا تحتاج الإنسانية إلى برامج سياسية وأفعال فحسب، بل تحتاج أيضا إلى رؤية تعايش سلمي بين الشعوب، وبين الجماعات الإثنية والأخلاقية، وبين الأديان، بمسؤولية مشتركة تجاه كوكبنا الأرضي. 
لكن عن أية رؤية يتحدث هانز كنج؟
مؤكد أنه ينشد رؤية مبنية على الآمال والأهداف، والمثل العليا والمعايير، بيد أن كثيرا من الناس في جميع أنحاء العالم قد فقدوا كل هذا، لكن تبقى الأديان في كل الأحوال قادرة على الإبقاء على مثل هذه الآمال، والأهداف، والمثل العليا، والمعايير، حية، وتسويغها، بل والأهم معايشتها.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية