العدد 4929
الأربعاء 13 أبريل 2022
banner
الفاتيكان والإسلام.. "في حاضرات أيامنا"
الأربعاء 13 أبريل 2022

تستدعي النفحات الرمضانية، إعادة قراءة لمرحلة تاريخية مهمة للغاية، تغيرت فيها الأوضاع، وتبدلت الطباع، في العلاقة بين العالم المسيحي والإسلامي، وقد كان ذلك نتاج ما عرف باسم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، والذي عقد في حاضرة الفاتيكان في الفترة ما بين 1962 و1965. لقد طرحت مشكلة هوية الإنسان وكرامته في هذا المجمع، ومن هذا المنطلق يفهم قدر التركيز على التواصل الإنساني، وعبور الجسور لملاقاة الآخر المغاير إيمانيًّا بنوع خاص.

في ذلك الوقت، دخل زوار أجانب، منهم مسلمون كانت تدفعهم رغبة حب الاستطلاع، وهم يتمشون في حصون أمة الإيمان الرومانية، كما أن الكاثوليك كانوا قد أخذوا يتحركون مبتهجين في مجالات دنيوية، وفي حقول الأديان والآيديولوجيات الأخرى.

كان الانفتاح والتَّماس مع العالم الإسلامي قادمًا لا محالة؛ فحينما زار البابا بولس السادس مدينة القدس في شهر يناير من عام 1964، وجد نفسه بين المسلمين في القسم الشرقي منها، والذي كان في ذلك الوقت جزءًا من الأردن، وقد أصبحت لصورته رمزية هناك؛ وفي سيره على "طريق الآلام" داخل المدينة العتيقة بدا وكأن الجماهير التي احتشدت تطبق عليه، ما دعاه لأن يتجاوز مخاوفه الشخصية من التَّماس مع الآخرين، وظهر أمام الجميع بوصفه "بابا"، أمام الغرباء الأردنيين المسلمين والإسرائيليين اليهود، كما استقبل بطريرك القسطنطينية الأرثوذكسي بالأحضان.

في الثاني والعشرين من أكتوبر 1965، صدر بيان "حول العلاقة مع الأديان غير المسيحية"؛ كان البيان الذي يعد أقصر ما صدر عن المجمع، بابًا جديدًا للعلاقة مع الإسلام والمسلمين في قارات الأرض، وجاء تحت عنوان  NOSTRA AETATEأي "في حاضرات أيامنا"، وقد جاء نصه كالتالي: "إن الكنيسة تنظر إلى المسلمين أيضًا باحترام عظيم، فهم يعبدون الله الواحد، الحي، الموجود بذاته، الرحيم، القادر، خالق السموات والأرض، الذي علم البشر أنهم يسعون أيضًا بروح تامة إلى إسلام أنفسهم لمشيئته الخفية، مثل إبراهيم الذي أسلم نفسه لله، والذي تستشهد العقيدة الإسلامية به عن طيب خاطر، وبالإضافة إلى ذلك فإنهم ينتظرون يوم الدين، اليوم الذي يبعث الله فيه جميع البشر من الموت ويحاسبهم".

ويضيف البيان: "لهذا فإنهم يولون قيمة للسلوك الأخلاقي في الحياة، ويعبدون الله على نحو خاص من خلال الصلاة والزكاة والصوم، إلا أنه نتيجة حدوث بعض الخلافات والعداوات بين المسيحيين والمسلمين عبر القرون الزمنية، فإن المجمع المقدس ينبِّه الجميع إلى ترك ما مضى جانبًا، والسعي بصدق إلى فهم متبادل، والوقوف من أجل صيانة العدالة الاجتماعية، وتشجيعها ورعاية القيم الأخلاقية، وأخيرًا وليس آخرًا من أجل صيانة السلام والحرية لصالح جميع البشر".

كان المجمع الڤاتيكاني الثاني ولا يزال مرحلة فاصلة في تاريخ الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وأصبح بعض المتخصصين في هذا الشأن يؤرخون لما قبل، وما بعد المجمع، فقد جلب الأساقفة خبراتهم من جميع القارات، وشهدوا في روما وحدة البشرية، مثلما عبَّروا عن ذلك في بيان لهم جاء فيه: "إن هناك حقيقة معروفة وهي أن جميع الشعوب تتقارب باستمرار لتشكيل وحدة، وإن علاقات الشعوب ذات الثقافات والديانات المختلفة تتوثق أكثر فأكثر، وإن الوعي بالمسؤولية الذاتية أخذ يتنامى كذلك، ومن أجل إقامة علاقات سلام ووئام بين البشر وتوطيدها، فإن من المطلوب أن تحظى الحرية الدينية بحماية قانونية فاعلة، في كل مكان على الأرض، وأن تُراعَى الواجبات والحقوق العليا للناس، وهي المتعلقة بحريتهم في تشكيل حياتهم الدينية داخل المجتمع".

الخلاصة الجسور لا الجدران والوفاق لا الافتراق هو الحل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .