العدد 4922
الأربعاء 06 أبريل 2022
banner
رمضان والإنسان.. رؤية كوسمولوجية
الأربعاء 06 أبريل 2022

يأتي شهر رمضان الفضيل، ليعطي العالم برمته فرصة للتأمل والعبادة، ومحاولة إعادة التوازن النفسي للأرواح العطشة، والتي أرهقتها الحياة المعاصرة بصراعاتها المتعددة على أكثر من صعيد.

يوصي لقمان الحكيم ابنه بالقول "يا بني إذا امتلأت المعدة، نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة"، وفي عهد البطالمة كان أطباء مدينة الإسكندرية الكوزمو بولتنية ينصحون مرضاهم بالصوم تعجيلاً بالشفاء، لذلك وجدنا الطبيب والمفكر البريطاني الكبير "ألكيس كارليل" صاحب المؤلف الشهير "الإنسان ذلك المجهول"، والحائز على جائزة نوبل في الطب، يكتب قائلاً: "إن كثرة وجبات الطعام ووفرتها تعطل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء الأجناس الحيوانية، وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام، لذلك كان الناس يصومون على مر العصور".

لم يكن البروفيسور "كارليل" وحده الذي تحدث عن فوائد الصوم، فقد وجد كذلك البروفيسور "نيكولاي بيلوي"، الروسي الأصل في كتابه "الجوع من أجل الصحة" سنة 1976 أن "على كل إنسان - خصوصا سكان المدن الكبرى - أن يمارس الصوم بالامتناع عن الطعام لمدة 3 إلى 4 أسابيع كل سنة كي يتمتع بالصحة الكاملة طيلة حياته". وإذا ارتحلنا إلى الغرب الأميركي نجد الدكتور "ماك فادون" وهو من أشهر الأطباء العالميين الذين استخدموا الصوم في علاج كثير من الأمراض، ويرى أن كل إنسان يحتاج إلى الصوم وإن لم يكن مريضاً، لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض، وتثقله ويقل نشاطه، فإذا صام تخلص منها وشعر بالنشاط والقوة.

لم يكن الفراعنة وحدهم من دعوا إلى الصوم، ففي توقيت مشابه فعل أطباء اليونان الأمر عينه، فقد لجأوا إلى الصوم لمعالجة مرضاهم الذين استعصى مرضهم على العلاج بالوسائل العادية، وفي القرن الخامس عشر قام "لودفيفو كورنا" الطبيب الإيطالي الشهير باستخدام الصوم في معالجة العديد من الأمراض المستعصية، وجرب ذلك على نفسه شخصياً وعاش حوالي مئة عام بصحة جيدة، بعد أن كان يعاني من أمراض عضال، وألف رسالة في المعالجة بالصوم تحت شعار "من يأكل قليلاً يعمر طويلاً".

والشاهد أنه مع تقدم العلم يكتشف العلماء كل يوم فوائد الصيام، خذ إليك على سبيل المثال ما نشرته المجلة الأميركية الشهيرة American Journal of Clinical Nutrition عام 1993، حين أشارت إلى أن صوم رمضان يخفض نسبة الكوليسترول الضار، وقد تمت الدراسة على 24 متطوعاً سليماً، وتبين أن الكوليسترول المفيد ارتفع بنسبة 30 % في نهاية شهر رمضان.

يقوم الصيام بتخليص الجسم من السمنة (الدهون) بواسطة التحليل الغذائي للدهون (لتوليد الطاقة أثناء الصيام) عندما تنضب مخازن الجليكوجين أثناء الصيام لتوليد الطاقة اللازمة للجسم، وتستخدم الدهون المختزنة في الجسم، كمصدر ثان لتوليد الطاقة بعد المواد الكربوهيدراتية.

هل لاحظ المراقبون المعتدلون في الغرب أثراً إيجابياً آخر للصيام يتجاوز التأثير الجسدي، أي يتصل بالنفس والروح؟

ذلك كذلك بالفعل، فالعديد من الأبحاث التي جرت من قبل الأطباء النفسيين ذهبت إلى أن الصيام فرصة عظيمة لتقوية الإرادة، لأنها سلاح فعال في مواجهة الاكتئاب، القلق، الوساوس المرضية، وغيرها من الأمراض النفسية.

فالذي يميز هذا الشهر المبارك هو المشاركة العامة بين الأفراد في تنظيم أوقاتهم بين العبادة والعمل، في فترات محدودة، وتخصيص أوقات موحدة يجتمعون فيها للإفطار.

وللفلاسفة الغربيين وجهة نظر في صوم رمضان بنوع خاص، إذ يؤكد الفيلسوف الألماني "جيهاردت" أن "الصوم أساس راسخ في تقوية إرادة الإنسان"، وذهب إلى أنه الوسيلة الفعالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد، فيعيش الإنسان مالكاً زمام نفسه لا أسير ميوله المادية.

رمضان كريم وكل عام وأنتم بألف خير.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية