العدد 4901
الأربعاء 16 مارس 2022
banner
الدبلوماسية لا العقوبات هي الحل
الأربعاء 16 مارس 2022

بعد نحو ثلاثة أسابيع من اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، بدا العالم برمته غير قادر على تحريك ترسانته العسكرية، تلك التي كلفته بضعة تريليونات من الدولارات عبر العقود الثلاثة الماضية، ولم تجد الولايات المتحدة الأميركية ولا أوروبا سوى سلاح العقوبات الاقتصادية، في محاولة منها لردع القيصر عن مغامرته في أوكرانيا. 
والشاهد أن شكل العقوبات التي فرضت على روسيا ونظام بوتين، غير مسبوقة، وقد كان آخرها القرار الأميركي بقطع استيراد النفط الروسي، والذي يبلغ نحو 3 % من احتياجات الولايات المتحدة الأميركية. على أن علامة الاستفهام التي ترتفع على الألسنة في الوقت الحاضر: "هل العقوبات الاقتصادية الحل الجامع المانع لثني بوتين عن الاستمرار في عمليته العسكرية في أوكرانيا؟ الجواب مثير للتأمل، والبداية من الداخل الروسي، ذلك أنه وإن كانت مثل تلك العقوبات قادرة على إصابة النظام الحكومي لموسكو بشيء من العطب، فإن من يدفع الثمن الأكبر في واقع الأمر هم الأبرياء من الشعب الروسي، وليس سرا القول إن روسيا الرسمية قد استشرفت ردات الفعل الأميركية، وعلى هذا الأساس رتبت أوضاعها الاقتصادية لفترات طويلة.
تبدو العقوبات ذات مردود سلبي على حركة الاقتصاد العالمي أول الأمر، بدءا من عند القوى الكبرى وصولا إلى الدول النامية، وخير دليل على صدقية هذا الطرح ما يجري في الداخل الأميركي. لم تكد واشنطن تخرج من شرنقة الآثار الكارثية لجائحة كوفيد-19، مع ما خلفته من تراجع على صعيد الاقتصاد الوطني، إلا وكانت بصمات العقوبات تفعل فعلها الكارثي، فقد ارتفعت أسعار المحروقات في الولايات المختلفة وبلغت حدا غير مسبوق، لاسيما في الولايات الكبرى مثل كاليفورنيا، هناك حيث بلغ غالون البنزين 9 دولارت وبعض السنتات. العارفون ببواطن المشهد الأميركي يدركون أن هذا ارتفاع كارثي، سيجلب المزيد من الكساد والتضخم، من البطالة وعدم اليقين المجتمعي، وزيادة نسبة الجريمة وشيوع الفوضى، على أن هناك جانبا أكثر إثارة يشمل السياسات الأميركية، فقد تابع العالم ولا يزال ما يشبه التنازلات الأميركية لقوى ناصبتها طويلا العداء، وفي المقدمة من هذه وتلك نظام الرئيس الفنزويلي مادورو، والنظام الإيراني للملالي، ذلك أن الحاجة إلى بدائل للنفط الروسي، حكما ستجعل التنازلات الأميركية مؤلمة، وهو ما سيرتد بالسلب على الأمن والاستقرار العالميين.  
لن تفيد العقوبات إدارة الرئيس بايدن بنوع خاص، لاسيما أن رصيدها في الداخل الأميركي قليل إلى حد المنعدم، والشعب الأميركي معروف بأن الأوضاع الاقتصادية الداخلية، هي التي تهمه بالدرجة الأولى، وقبل أية ملامح أو معالم للسياسات الخارجية. 
تبدو العقوبات في الوقت عينه كعقبة في طريق وحدة الناتو، ما بين أميركا من جهة وأوروبا من جهة ثانية، فالأوروبيون لن يقدر لهم بحال من الأحوال الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين، الأمر الذي أقر به قبل أيام المستشار الألماني أولاف شولتز. 
اعتبر البعض أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيعطي قبلة الحياة للناتو، وقد يكون هذا في المدى الزمني المنظور أمرا حقيقيا، لكن على المدى البعيد لا يمكن أن يكون ذلك، كذلك فروسيا شريك كبير للاتحاد الأوروبي، وأكبر مصادره من الطاقة، ولا يستقيم الخصام والعقوبات إلى ما لا نهاية. 
العودة إلى الدبلوماسية هي الحل.. الحرب والعقوبات أسلحة مؤقتة للجلوس على طاولة المفوضات، والعالم لا يحتمل مزيدا من الكراهية.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية