العدد 4908
الأربعاء 23 مارس 2022
banner
السياسة الخارجية الأميركية.. إلى أين؟
الأربعاء 23 مارس 2022

تستدعي تطورات المشهد السياسي الدولي، لاسيما في ظل المواجهات العسكرية الروسية الأوكرانية، التساؤل عن التوجهات السياسية الأميركية حول العالم، وبنوع خاص في ضوء الأزمات المحدثة التي خلفتها الأزمة الأوكرانية في الحال، واستحقاقاتها في الاستقبال. عرفت السياسات الأميركية عامة بتغير مواقعها ومواضعها، طبقا لصالح ومصالح البلاد، ما يعني أن نوعا من التغيرات الشاملة تشملها وتلفها لاسيما في أوقات الأزمات. يمكن للمرء أن يتفهم عالم السياسة بوصفه نوعا من تبادل المنافع، لا من المثل والقيم والأخلاقيات، لهذا يقال على الدوام إن أرسطو رجل له ماض أخلاقي، فيما ميكافيليي له مستقبل سياسي.
دفع الغزو الروسي لأوكرانيا واشنطن إلى مسارات تفكير مختلفة عن العقدين السابقين من القرن الحادي والعشرين، واللذين سيطرت عليهما فكرة الحرب على الإرهاب، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، في ذلك الوقت قرع إرهاب الجماعات الأصولية المتطرفة أبواب الداخل الأميركي، غير أنه ومنذ 24 فبراير، تاريخ بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، بات العالم على مشارف مرحلة مغايرة من التهديدات المزعزعة للاستقرار جراء تحركات قطبية لوجستية، قادرة على أن تغير الأوضاع وتبدل الطباع.
يمكن للمرء أن يرصد تحولا براغماتيا في السياسات الخارجية الأميركية على صعيدين، الأول يتمثل في فنزويلا، والثاني في إيران. تعد فنزويلا أحد أكبر خزانات العالم نفطيا، وعلى الرغم من الخلافات السياسية التي نشبت طوال أكثر من عقدين، من زمن هوجو تشافيز، وصولا إلى ماودورو، فإن واشنطن وإدراكا منها لعمق الأزمة النفطية، لاسيما بعد أن أوقفت واردات النفط من روسيا، والتي تمثل نحو 3 % من احتياجات روسيا، سعت لنوع من المصالحة المؤقتة إن جاز التعبير، ومضت بعثة دبلوماسية رفيعة المستوى إلى كراكاس بهدف تخفيف الضغوطات الدبلوماسية ورفع بعض العقوبات المفوضة على النظام هناك، في مقابل شحنات من النفط، تخفف الضغط من على إدارة بايدن المحتقنة، والمقبلة على انتخابات تجديد نصفي بعد بضعة أشهر، انتخابات لا تبدو فيها حظوظ الديمقراطيين وافرة.
هي السياسة إذا والمصالح الاستراتيجية التي تحدد مسارات ومساقات الدول الكبرى والصغرى على حد سواء، والقادرة على تغيير دفة التوجهات. 
المثال الثاني للتغيرات الأميركية يتمثل في إيران، ومن شبه المؤكد أن غزو روسيا لأوكرانيا صب في صالح الإيرانيين ولو بطريق غير مباشرة. 
تبدو واشنطن اليوم متعجلة بأسرع إيقاع لتوقيع اتفاق مع نظام الملالي، والهدف الحقيقي هو تمكين النفط والغاز الإيرانيين من التدفق في شرايين الاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من معرفة خبراء واشنطن أن كل الإنتاج الإيراني، لا يعوض نقص الطاقة الروسية في الأسواق العالمية، إلا أن واشنطن تبذل جهدها للتعويض، وتتنكر لكل التحذيرات السابقة من النوايا الإيرانية التي لا تغيب عن أحد، ولا تتوقف عند حدود البرنامج النووي، ويكفي المرء أن يتابع تطورات البرنامج الصاروخي الإيراني، وفي ضوء الهجمات الأخيرة على أربيل في العراق، ليدرك خطورة ما يقوم به الجانب الإيراني، والذي باتت واشنطن تغض الطرف عنه بسبب حاجتها للنفط.
ينسحب المشهد على مهادنة واشنطن لبكين، والتماهي مع الخلافات الأوروبية، ما يجعل العالم يتساءل عن المعايير الأميركية المزدوجة، ويترك علامة استفهام حول موثوقية وموضوعية السياسات الأميركية الخارجية وإلى أين تمضي.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .