العدد 4924
الجمعة 08 أبريل 2022
banner
دروس حياتية مؤسفة
الجمعة 08 أبريل 2022

رجل محترم، كان في منصب وظيفي مرموق، وكان هاتفه لا يهدأ لحظة واحدة من الاتصالات في بداية رمضان، والأعياد، والمناسبات المختلفة، والتي تهنئ وتسأل، وتتمنى له موفور الصحة والعافية والنجاح.


كما كان حسابه في تطبيق “الانستغرام” محل اهتمام كبير، ومقصدا بتنافس محموم بين هذا وذاك، وبين من يعلق على المنشور قبل الآخر، ومن يعطي “اللايك” أولاً.


اليوم، وبعد أن خرج للتقاعد، صمت هاتفه صمت القبور القديمة، لا يستقبل إلا رسائل الفواتير والإعلانات والحسابات الوهمية، فأولئك الذين كانوا يسألون عنه بالأمس، انصرفوا بكل بساطة، طاوين صفحته هو بلا عودة.


رجل آخر أعرفه جيداً، كان مديراً بإحدى الجهات لأكثر من ثلاثين عاماً، وكان من المؤسسين بهذه الجهة، وممن أوجدوا بها الهيكل الوظيفي، وتوزيع المهمات، والعرف السائد بها الآن، بكل شاردة وواردة، وكان خلال فترة عمله، مثالاً للمسؤول الخير، فلم يذكره موظف قط بأنه كان ظالماً، أو نازعاً للحقوق، أو مميزاً بين هذا وذاك، بل العكس، كان عادلاً، ومنصفاً، ويقف على مسافة واحدة من الجميع، ويتفهم ظروف الموظف، واعتذاراته، مهما تكررت.


اليوم، وبعد أن خرج للتقاعد، وجلس في حديقة منزله يشرب الشاي الثقيل، ويقرأ الكتب، انقطع عنه الجميع باستثناء موظفين اثنين فقط، واللذين احترما العشرة والصداقة، وذكريات سفرات العمل، والاجتماعات المطولة وغيرها.


هذه الدروس الحياتية المؤسفة، تنبهنا إلى المستوى الذي وصل إليه البعض، في عالم لا يرحم، ولا يذر، ولا يضع للمرء قيمة، إلا بعلاقاته ونفوذه، والأهم ماله. غياب واقع للتربية، ودور البيت والأسرة في إفهام النشء الأخلاقيات والقيم، والتي تتخطى بكثير مسميات الشهادات العليا التي قد يتحصلون عليها في مسيرتهم، والتي لا تساوي شيئا متى ما غابت هذه القيم، واختفت.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية