العدد 4915
الأربعاء 30 مارس 2022
banner
الرؤية الخليجية للأزمة الأوكرانية
الأربعاء 30 مارس 2022

وسط انقسام حاد واختلاف دولي واضح في مواقف الدول حيال العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، كانت بلورة موقف سياسي ودبلوماسي خليجي يصب بمصلحة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مسألة حساسة ودقيقة للغاية لأسباب واعتبارات عدة أولها: علاقات الشراكة القوية والمتنامية التي تربط دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بين طرفي الأزمة: روسيا من جهة، وأوكرانيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة ثانية. ثاني هذه الاعتبارات أن بناء موقف خليجي واضح إزاء الأزمة الأوكرانية يمثل اختباراً صعباً لمجمل قناعات وموروث السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون من المبادئ والقيم التي تتمسك بها هذه الدول منذ تأسيسها. وثالث هذه الاعتبارات أن دول مجلس التعاون الخليجي تعد من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، فالسعودية والإمارات والكويت أعضاء رئيسيون بتحالف "أوبك +"، وكان لزاما عليها التصرف بحكمة وهدوء في هذه الظروف المعقدة دولياً بالنظر إلى حساسية أسواق الطاقة الدولية لأية خلافات قد تقوض هذا التحالف النفطي الضامن لاستقرار أسواق الطاقة وعدم حدوث أية اضطرابات في الإمدادات.

لقد حرصت دول مجلس التعاون الخليجي على تبني موقف قائم على المبادئ والتمسك بالقانون الدولي في التعاطي مع الأزمة الأوكرانية، باعتبار أن ذلك الخيار يمثل التموضع الاستراتيجي الأمثل والوحيد الذي يضمن لهم الحفاظ على مصداقيتهم الدولية ويتيح لهم هامش مناورة سياسيا مناسبا للتحرك بحثاً بين الخصوم عن مخرج مما آلت إليه الأوضاع.

تحرص دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي في علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى على تحقيق التوازن بما يضمن تحقيق مصالحها الاستراتيجية مع الجميع، لذا فإن تعميق التعاون الخليجي - الروسي، وكذلك الخليجي - الصيني، لا يأتي على حساب العلاقات الاستراتيجية القوية التي تربطها بالولايات المتحدة الأميركية، وهذا الأمر يجسد شفافية الدبلوماسية الخليجية وقدرتها على التحرك في مناطق التعاون المشتركة مع الجميع. ولاشك أن الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين دول مجلس التعاون وروسيا لا تأتي خصماً من رصيد علاقاتها الاستراتيجية مع قوى دولية أخرى في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، فما يربط دول الخليج العربي والجانب الأميركي تحالف عميق وراسخ يمضي في مسارات موازية لأية شراكات استراتيجية مستحدثة، ومن ثم فإن الشراكة الاستراتيجية مع روسيا تعكس مبدأ تنويع البدائل والخيارات الاستراتيجية وتفتح آفاقا جديدة للتحرك والمناورة أمام الدبلوماسية الخليجية من دون افتئات على التزاماتها حيال شركائها الاستراتيجيين الآخرين، والأهم من ذلك أن القيادات الخليجية تمتلك رؤية استراتيجية واضحة في بناء علاقاتها الدولية وتطويرها، حيث تؤكد، دائماً أن دول الخليج العربي حريصة على التعاون مع العالم بأسره من دون استثناء لضمان مستقبل مزدهر لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.

ويشير تحليل العلاقات الخليجية ـ الأميركية أو الخليجية الروسية في السنوات الأخيرة إلى أن دول مجلس التعاون باتت تمتلك من المرونة ما يجعلها قادرة على استيعاب وتوفير هوامش حركة مناسبة لكل شريك في التعامل مع ملفات تتماس مع الطرف الآخر، فالولايات المتحدة تدرك أهمية دور دول الخليج العربي في الحفاظ على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم، ودول الخليج بدورها لا تريد الاصطدام بالشريك الأميركي، لكنها تسعى في الوقت ذاته لتحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بمصالحها الاستراتيجية في ملفات مثل أسعار النفط والإبقاء على الشراكة مع روسيا والصين.

وفي جميع الأحوال يحرص البيت الأبيض بالمقابل على تفادي الصدام مع مع دول الخليج، التي لا ترغب في أن تكون طرفاً في أية صراعات دولية يمكن أن تهدد مسيرتها التنموية أو تؤثر سلباً في طموحاتها الاقتصادية الكبرى، والأمر اللافت في التحركات الدبلوماسية الخليجية أنها تمضي وفق قاعدة "رابح ـ رابح" بمعنى ضمان فوائد وعوائد استراتيجية مناسبة لطرفي العلاقة ما يعزز فرص نجاح الدبلوماسية الخليجية في بناء شراكات مع الجميع.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .