العدد 4887
الأربعاء 02 مارس 2022
banner
من ينقذ الأمن والسلم الدوليين؟
الأربعاء 02 مارس 2022

هل يمر العالم بلحظات مفصلية يتعرض فيها الأمن والسلم الدوليان لمحنة قاسية، محنة يمكنها أن تعصف باستقرار العالم لعقود قادمة؟ لا يبدو أن الإنسانية تتعلم من تجاربها السابقة، فقد اشتعلت الحرب العالمية الأولى بسبب اغتيال فرد واحد، فيما الحرب الكونية الثانية حلت بالعالم جراء عدم احترام ألمانيا وتعرضها لمهانة في اتفاقية فرساي، لهذا جاء الانتقام النازي بشعا إلى أبعد حد ومد.

اليوم يقف الجميع أمام المشهد الأوكراني، وفي الرؤوس علامة استفهام واحدة، عن التطور التالي، وما إذا كان من الممكن بالفعل الانزلاق نحو مواجهة عالمية.. الرعب الذي يتسبب فيه السؤال المتقدم، موصول بتلك المواجهة حال حدوثها، ذلك أنها ستختلف طولا وعرضا، شكلا وموضوعا عما جرى قبل سبعة عقود.

ليس سرا القول إن أية مواجهة عالمية قادمة، ستستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل، ما يعني ملايين الضحايا في الضربة الأولى، ومثلهم فيما يليها من ردات فعل انتقامية، عطفا على الشتاء النووي الذي سيخيم على الكرة الأرضية.. يتساءل المراقبون إلى أين يمضي المشهد الروسي – الأوكراني، وهل يمكن أن يتطور إلى ما هو أبعد من ذلك، أي إلى صدامات أممية بين روسيا والناتو؟

يظل القول المأثور إن معظم الحرائق تحدث من مستصغر الشرر، قائما وفاعلا عبر التاريخ، ومن المؤسف أن الملف الأوكرني ليس صغيرا، بل إشكاليا، لاسيما أنه يمثل صراع إرادات قوية، وفي توقيت حرج وحساس تتغير فيه الأوضاع وتتبدل الطباع، ومن غير مقدرة على معرفة أبعاد المستقبل. ما جرى خلال الأسبوع الماضي أوضح ومن جديد أن المنظومة الأمنية الأوروبية في خطر، ولعل ما هو أبعد من ذلك موصول بكيان حلف الناتو، وما إذا كان طريقه مفروش بالسلم أم الحرب.

أعطت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا قبلة الحياة لحلف الناتو، ذاك الذي اعتبر في الأعوام القليلة الماضية أنه مات موتا سريريا، لاسيما بعدما تفاقمت الخلافات بين جانبي الأطلسي في زمن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.. وفي المقابل تطفو على السطح تحالفات جديدة في الشرق الآسيوي، لاسيما التحالف الروسي – الصيني الجديد، ذاك الذي تبلور بشكل واضح خلال العام الماضي وبدايات العام الجاري. هل يمكن لبكين وموسكو أن يشكلا حلفا عسكريا؟.

قد يكون ذلك مستبعدا، لكن لا يعني أنه لا يوجد تنسيق بينهما في الوقت الحاضر، وكلاهما يدرك تمام الإدراك كيف أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل جاهدة على وضع العصا في دواليب العلاقة الجديدة، خوفا من تحالف يرتقي بحكم تطور الأوضاع إلى تنسيق مسلح.

القلق العالمي لا يوفر الصين بدورها ضمن الإطار الأممي المضطرب والملتهب، لاسيما أن هناك توقعات ترقى إلى درجة الاحتمالات بإقدام الصين في وسط الزخم المتصاعد، على إعادة تايوان مرة أخرى إلى ترابها الإقليمي، الأمر الذي يعني صداما صينيا أميركيا قابلا للاشتعال.

تتجهز الصين بدورها للمواجهات القطبية برؤية نووية تجعل الاطمئنان إلى الغد أمرا صعبا، فقد كشفت الأقمار الاصطناعية الأميركية في الأشهر الماضية، سورا نوويا من الصوامع تحت الأرض، تقوم الصين ببنائه.

هل القارعة الأممية واردة؟ ربما يحتاج عالمنا المعاصر إلى حكماء لهم دالة على السلام، بأكثر من حاجته لجنرالات عندهم خبرة في الحروب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .