العدد 4880
الأربعاء 23 فبراير 2022
banner
المجتمع المدني.. سلاح ذو حدين
الأربعاء 23 فبراير 2022

نشأت فكرة المجتمع المدني حول العالم من منطلق رؤية إنسانية، تسعى في عمل الخير والبر، وقد عرفتها الدول العربية باكرا جدا، وقبل أن تظهر في العديد من الدوائر المدنية الغربية، ما يعني أنها في الأصل نبت طيب وصالح، إيماني ووجداني، وقبلهما وطني وإنساني، يشرح ولا يجرح، يوفق ولا يفرق، يصون ولا يهدد.

غير أن تطورات بعينها لا تخفى عن أعين القارئ المحقق والمدقق قد عدلت من طباع تلك الجمعيات، وغيرت أوضاعها لتضحى كالخنجر في الخاصرة، وذلك بعدما فقدت القدرة على تحديد مساراتها الحقيقية، ومضت في طريق الأجندات التي يظن أصحابها أنها خفية، فيما هي ظاهرة للعيان.

باختصار غير مخل، هناك من بات يُسخر أقدار جمعيات المجتمع المدني لصالح أهداف سياسية وماورائية، لتكون بذلك أداة ضمن أدوات التأثير على الدول المستقلة، ومن غير أن تظهر الحكومات بشكل واضح في المشهد السياسي الدولي.

باتت تلك الجمعيات في العقدين الأخيرين مهددا واضحا لسيادة واستقلال القرار الوطني، وبلغت من قوتها ومنعتها أن استطاعت الوصول إلى قلب المؤسسات الأممية، وفي مقدمها الأمم المتحدة، بالحق أو الباطل.

أدرك العالم العربي بنوع خاص في العقد الماضي الضراوة البالغة التي تمثلها بعض تلك الجمعيات، ولا نود التعميم فهناك جمعيات بثوب وطني، تسعى في طريق البناء والنماء، لا الهدم وإشاعة الفتنة بين أبناء الدولة الواحدة.

بدءا من يناير 2011 عرف العالم العربي، ما اصطلح على تسميته بزمن "الربيع العربي"، وهو في حقيقة الأمر تعبير منحول متهافت، إذ لم تكن هناك رائحة ما للربيع، كما أنه خلو من أية علاقة مع الأصول والجذور الوطنية العربية، بل كان شتاء أصوليا قارس البرودة، أدى إلى مرار ودمار لا تزال آثاره قائمة إلى يومنا هذا.

ولعله حين هدأت العاصفة اكتشفت الأوطان أن العديد من تلك الجمعيات التي تدثرت بثياب العمل المدني، لم تكن سوى واجهات لجهات ودول أجنبية، تبدو معروفة بالاسم، وقد لعبت دور الطابور الخامس في تخريب البلدان من الداخل، وتثوير المجتمعات، وضرب القوى الوطنية بعضها ببعض، سعيا لتحقيق أهداف لا علاقة لها بالأكليشيهات المدوية من قبيل نشر الديمقراطية، وتعزيز وترسيخ الديمقراطية، وضمان حقوق الإنسان، وجميعها أثبتت التجربة التاريخية زيفها وبهتانها.

يضحى من الغباء العقلي والنقلي إن قدر للذين يتلاعبون بتلك الجماعات الاعتقاد بإمكانية إعادة التاريخ مرة أخرى إلى الوراء، وربما فاتهم ما قاله كارل ماركس ذات مرة، من أن التاريخ لا يكرر نفسه مرتين، ذلك أنه لو فعل لأضحى في المرة الأولى مأساة والثانية ملهاة.

وعلى الجانب الآخر تبقى تلك النخب المغشوشة التي تمضي وراء الإغراءات الرخيصة، بحاجة إلى إعادة تقييم مواقفها، قبل أن تجد نفسها في مواجهة استحقاقات القانون وعدالته الصارمة.

تحتاج الأوطان في هذه الأوقات إلى المخلصين من أبنائها، أولئك الذين يرون ما يجري حول العالم من اضطرابات وقلاقل، ليقفوا صفا واضحا، وليرفعوا على كواهلهم مقدرات أوطانهم بالصدق والعمل الجاد الخلاق، لا بالتآمر والسعي وراء أصحاب النوايا المغرضة.

محبة الأوطان فعل من أفعال الإيمان، فهل يستفيق المغيبون؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .