العدد 4868
الجمعة 11 فبراير 2022
banner
يعرفون من أية جهة يأتي صوت النغم
الجمعة 11 فبراير 2022

في بعض الأحيان يتفوق الإنسان العادي البسيط على الأطباء فيما يسمى بمحراب الضياء وتخفيف الألم عن المريض وإبعاده عن لوعة سهر الليل الطويل وحرقة الذهن ومشاعر الأسى والكآبة والوحدة، وهذه الصفة لا تكون إلا عند أولئك الشجعان الذين يعرفون كيف تسير الحياة ومن أية جهة يأتي صوت النغم.
يصف أحد الأطباء حالة كان يعالجها بما يلي.. أصيبت قرينة شخص يدعى سيمور الحسناء بورم لحمي خبيث فتاك في عنقها ووجهها بعد زواجها منه بعامين، فلم نخبرها ولكننا رأينا في عينها أنها أدركت بطريقة ما أنها مشرفة على الموت، وكان زوجها يهواها هوى شديدا، وكان يود أن يجد طريقة ما لإسعادها في أيامها الأخيرة، وعاد إلى المنزل ذات ليلة يحمل إليها تذكرتي سفر إلى أوروبا بعد بضعة أشهر ابان الربيع، وتراكمت على فراشها نشرات السياحة البهيجة تدعوها للاستمتاع بشمس البحر الأبيض المشرقة وجماله الفاتن.
ومنذ ذلك الحين أخذ زوجها يحدثها عن مفاتن رحلتها المقبلة ويضع بين يديها الكتيبات وأشياء ذات علاقة بالسفر، ويتذاكران معا تفاصيلها ويقدران معا أي المشاهد أشوق. فأخذ يعود إلى عينها بريقهما كلما سمعت كلامه العذب والجميل والمريح عن المستقبل، ودخلت في عالم آخر نسيت علتها وهما يعيشان في أحلام شهر عسل جديد، فلما قضت نحبها قبيل الربيع كان الشطر السليم من وجهها أشرق ما كان بالسعادة والجمال، ولم أر قط حبا تمخض عن عمل أعظم من عمل هذا الرجل.
لقد تعلمت من سيطرته على نفسه سيطرة تفوق طاقة البشر ما لم أتعلم مثله في دراستي.. علمني أن الوعود المجملة لا معنى لها، وأن ما تراه العين وما تلمسه الأنامل هو وحده الذي يحمل اليقين إلى الروح ويؤجج فيها الشجاعة والأمل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .